الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وعهدة المشتري على البائع وعهدة الشفيع على المشتري ( قال المزني ) رحمه الله : وهذه مسائل أجبت فيها على معنى قول الشافعي رحمه الله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما العهدة فمشتقة من العهد لما عليه من الوفاء بموجبه قال الله تعالى : [ ص: 283 ] وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم [ النحل : 191 ] فلأجل ذلك سمي ضمان الدرك عهدة ثم يسمى كتاب الشراء عهدة ؛ لأنه قد يتضمن ذلك .

                                                                                                                                            واختلف الفقهاء في عهدة الشفيع فذهب الشافعي إلى أن عهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي ليلى : عهدة الشفيع على البائع .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان الشفيع قد قبضه من المشتري فعهدته على المشتري وإن كان قد قبضه من البائع فسخ عقد المشتري وكانت عهدته على البائع .

                                                                                                                                            فأما ابن أبي ليلى فاستدل بأن البائع أصل والمشتري فرع فكان الرجوع إلى البائع أولى من المشتري ؛ لأنه لا اعتبار بالفرع مع وجود الأصل .

                                                                                                                                            قال : ولأن المشتري يحل محل الوكيل للشفيع لدخوله على علم بانتقال الشراء على الشفيع ثم ثبت في شراء الوكيل أن العهدة على البائع دون الوكيل كذلك استحقاق الشفيع . وأما أبو حنيفة فاستدل على أن للشفيع أن يفسخ عقد المشتري بأنه لما استحق إزالة ملكه عنه استحق فسخ عقده فيه ؛ لأن ثبوت العقد لاستيفاء الملك .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أن الشفيع يملك الشقص عن المشتري بدليل أنه لو تركه لكان مقرا على ملك المشتري ولو حدث منه نماء لكان للمشتري فوجب أن تكون العهدة عليه كما كانت على البائع للمشتري وتحريره قياسا : أن انتقال الملك بالعوض يوجب تمليك المعوض فوجب أخذه بالعهدة كالبائع ولأن الرجوع بالثمن قد يستحق في الرد بالعيب كما يستحق في الاستحقاق بالشفعة فلما كان الرجوع به في الرد بالعيب مستحقا على المشتري دون البائع وجب أن يكون الرجوع به في الاستحقاق بالشفعة مستحقا على المشتري دون البائع ، وقد يتحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أحد نوعي ما يوجب الرجوع بالثمن فوجب أن يستحقه الشفيع على المشتري دون البائع قياسا على الرد بالعيب .

                                                                                                                                            والثاني : أن من استحق عليه الثمن في الرد بالعيب لم يستحق عليه الثمن في الاستحقاق بالعيب قياسا على المشتري لو كان بائعا .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلال ابن أبي ليلى : بأن البائع أصل ، والمشتري فرع فمنتقض بالمشتري لو باع على الشفيع ثم نقول إن المشتري وإن كان فرعا للبائع فهو أصل للشفيع . وأما الجواب عن استدلاله بالوكيل فهو امتناع الجمع بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 284 ] أحدهما : أن الشفيع لما كان مخيرا بين أخذه من المشتري وبين تركه عليه صار مالكا عنه لا عن البائع ولما لم يكن للموكل خيار في أخذه من الوكيل وتركه عليه صار مالكا عن البائع دون الوكيل .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما استحق الشفيع الرد بالعيب على المشتري دون البائع صار مالكا عنه لا عن البائع ولما استحق الموكل الرد بالعيب على البائع دون الوكيل صار مالكا عنه لا عن الوكيل .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة : بأنه لما ملك إزالة ملكه دفع عقده فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قد يملك إزالة ملكه بعد القبض ، ولا يملك دفع عقده فكذلك قبل القبض .

                                                                                                                                            والثاني : أنه بالعقد ملك الشفعة وفي رفعه إبطال الشفعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية