الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (84) قوله تعالى : قل آمنا بالله في هذه الآية احتمالان أحدهما : أن يكون المأمور بهذا المقول - وهو آمنا إلى آخره - محمدا صلى الله عليه وسلم ، ثم في ذلك معنيان ، أحدهما : أن يكون هو وأمته مأمورين بذلك ، وإنما حذف معطوفه لفهم المعنى ، والتقدير : قل يا محمد أنت وأمتك : آمنا بالله ، وهذا تقدير ابن عطية . والثاني من المعنيين أن المأمور هنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وحده ، وإنما خوطب بلفظ الجمع تعظيما له . قال الزمخشري : "ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما تتكلم [ ص: 298 ] الملوك إجلالا من الله لقدر نبيه " قلت : وهو معنى حسن . والاحتمال الثاني : أن يكون المأمور بهذا المقول من تقدم ، والتقدير : قل لهم قولوا آمنا ، فآمنا منصوب بقل على الاحتمال الأول ، وبقولوا المقدر على الثاني ، وذلك القول المضمر منصوب المحل .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الآية شبيهة بالتي في البقرة ، إلا أن هنا تعدية أنزل بعلى ، وهناك بإلى . فقال الزمخشري : "لوجود المعنيين جميعا لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر " وقال ابن عطية : "الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها " ، وهذا لا طائل فيه بالنسبة إلى طلب الفرق . وقال الراغب : "إنما قال هنا " على "لأن ذلك لما كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشرية كان لفظ " على "المختص بالعلو أولى به ، وهناك لما كان خطابا للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم كان لفظ " إلى "المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : " أنزل عليه "إنما يحمل على ما أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره ، و " أنزل إليه "على ما خص به في نفسه وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم خص هنا بإلى لما كان مخصوصا بالذكر [الذي ] هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 299 ] وهذا الذي ذكره الراغب رده الزمخشري فقال : "ومن قال : إنما قيل " علينا "لقوله " قل " ، و " إلينا "لقوله " قولوا "تفرقة بين الرسول والمؤمنين ، لأن الرسول يأتيه الوحي على طريق الاستعلام ويأتيهم على وجه الانتهاء فقد تعسف ، [ألا ترى ] إلى قوله بما أنزل إليك وأنزلنا إليك الكتاب وإلى قوله : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي البقرة : وما أوتي النبيون وهنا " والنبيون "لأن التي في البقرة لفظ الخطاب فيها عام ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز بخلاف الخطاب هنا فإنه خاص فلذلك اكتفى فيه بالإيجاز دون الإطناب . وباقي كلمات جمل الآية تقدم الكلام عليها في البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية