الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ( 15 ) )

يقول تعالى ذكره : لمسكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم ، حين تلقونه بألسنتكم ، و " إذ " من صلة قوله " لمسكم " ويعني بقوله : ( تلقونه ) تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك ، فتقبلونه ، ويرويه بعضكم عن بعض يقال : تلقيت هذا الكلام عن فلان ، بمعنى أخذته منه ، وقيل ذلك ; لأن الرجل منهم فيما ذكر يلقى آخر ، فيقول : أوما بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ ليشيع عليها بذلك [ ص: 131 ] الفاحشة . وذكر أنها في قراءة أبي : " إذ تتلقونه " بتاءين ، وعليها قراءة الأمصار ، غير أنهم قرءوها : ( تلقونه ) بتاء واحدة ; لأنها كذلك في مصاحفهم .

وقد روي عن عائشة في ذلك ، ما حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا خالد بن نزار ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقرأ هذه الآية : " إذ تلقونه بألسنتكم " تقول : إنما هو ولق الكذب ، وتقول : إنما كانوا يلقون الكذب . قال ابن أبي مليكة : وهي أعلم بما فيها أنزلت ، قال نافع : وسمعت بعض العرب يقول : الليق : الكذب .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها كانت تقرأ : " إذ تلقونه بألسنتكم " وهي أعلم بذلك وفيها أنزلت ، قال ابن أبي مليكة : هو من ولق الكذب .

قال أبو جعفر : وكأن عائشة وجهت معنى ذلك بقراءتها " تلقونه " بكسر اللام وتخفيف القاف ، إلى : إذ تستمرون في كذبكم عليها ، وإفككم بألسنتكم ، كما يقال : ولق فلان في السير فهو يلق : إذا استمر فيه ; وكما قال الراجز :


إن الجليد زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلق




مجوع البطن كلابي الخلق

وقد روي عن العرب في الولق : الكذب : الألق ، والإلق : بفتح الألف وكسرها ، ويقال في فعلت منه : ألقت ، فأنا ألق ، وقال بعضهم :


من لي بالمزرر اليلامق     صاحب أدهان وألق وآلق



[ ص: 132 ] والقراءة التي لا أستجيز غيرها : ( إذ تلقونه ) على ما ذكرت من قراءة الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .

وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( إذ تلقونه بألسنتكم ) قال : تروونه بعضكم عن بعض .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إذ تلقونه ) قال : تروونه بعضكم عن بعض .

قوله : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) يقول تعالى ذكره : وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تروونه ، فتقولون : سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا ، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته ، ( وتحسبونه هينا ) وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم ، وتلقيكموه بعضكم عن بعض هين سهل ، لا إثم عليكم فيه ولا حرج ، ( وهو عند الله عظيم ) يقول : وتلقيكم ذلك كذلك وقولكموه بأفواهكم ، عند الله عظيم من الأمر ; لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية