الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 492 ] ( فصل ، من شروطها ) أي شروط العلة ( أن لا تكون محل الحكم ولا جزأه ) أي جزء محل الحكم ( الخاص ) عند الأكثر . وجوز قوم من العلل القاصرة : كون العلة محل الحكم أو جزء محله . فمثال كونها محل الحكم : قولنا الذهب ربوي ، لكونه ذهبا ، والخمر حرام ، لأنه مسكر معتصر من العنب ومثال كونها جزء محل الحكم الخاص به : كالتعليل باعتصاره من العنب فقط . وقيدنا الجزء بالخاص تحرزا من المشترك بين المحل وغيره . فإن ذلك لا يكون إلا في المتعدية ، كتعليل إباحة البيع بكونه عقد معاوضة . فإن جزأه المشترك - وهو " عقده " الذي هو شامل للمعاوضة وغيرها - لا يعلل به . واستدل للأول بأنها لو كانت للمحل كانت قاصرة . لأنه لو تحقق بخصوصه في الفرع ، اتحدا . وكذا جزؤه ( و ) أن ( لا ) تكون العلة ( قاصرة مستنبطة ) عند أكثر أصحابنا والحنفية . وإحدى الروايتين عن أحمد ، وعنه يصح كونها قاصرة مستنبطة ، كقول مالك والشافعي وأكثر أصحابهما .

وأما العلة القاصرة الثابتة بنص أو إجماع : فأطبق العلماء كافة على جواز التعليل بها ، وأن الخلاف إنما هو في المستنبطة ( وفائدة ثبوت العلة القاصرة ) ( : معرفة المناسبة ، ومنع الإلحاق : وتقوية النص ) ، ( وزيد ) على ذلك ( وزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجلها ) هذا جواب عن سؤال . تقديره : أنه لما كان الحكم مقررا بالنص أو الإجماع ، وكانت العلة لا توجد في غير محل النص أو الإجماع : كان إثباتها في محل لا يمكن تعديها منه إلى غيره عبثا لا فائدة فيه . فأجيب عن ذلك بأن في إثباتها فوائد . منها : معرفة مناسبة الحكم للحكمة ، إذ بالتعليل تعرف الحكمة ، وأن الحكم على وفق الحكمة والمصلحة . فيكون أدعى للقبول والانقياد مما لم تعلم مناسبته ، لكن قال في المقترح : إن السببية إنما جعلت لتعريف الحكم ، لا لما ذكر . وجوابه : أنه لا ينافي الإعلام طلب الانقياد لحكمه .

ومنها : إفادة المنع لإلحاق فرع بذلك ، لعدم حصول الجامع الذي هو علة في الأصل . واعترض بأن ذلك من المعلوم وموضوع القياس . فأين الفائدة المتجددة ؟ وأجيب بأنه لو وجد وصف آخر متعد لا يمكن القياس به حتى يقوم دليل على أنه [ ص: 493 ] أرجح من تلك العلة القاصرة ، بخلاف ما لو لم يكن سوى العلة المتعدية . فإنه لا يفتقر الإلحاق بها إلى دليل على ترجيح . ومنها : أن النص يزداد قوة بها . فيصيران كدليلين ، يتقوى كل منهما بالآخر . قاله ابن الباقلاني . وهو مخصوص بما يكون دليل الحكم فيه ظنيا . أما القطعي : فلا يحتاج إلى تقوية . نبه عليه أبو المعالي ومنها : ما قاله السبكي : أن المكلف يزداد أجرا بانقياده للحكم بسبب تلك العلة المقصودة للشارع من شرعه ، فيكون له أجران : أجر في امتثال النص ، وأجر بامتثال المعنى فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية