الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ تقول أي: واذكر وقت قولك. للذي أنعم الله عليه بتوفيقه [ ص: 105 ] للإسلام، وتوفيقك لحسن تربيته ومراعاته. وأنعمت عليه بالعمل بما وفقك الله له من فنون الإحسان التي من جملتها تحريره، وهو زيد بن حارثة، وإيراده بالعنوان المذكور لبيان منافاة حاله لما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من إظهار خلاف ما في ضميره. إذ هو إنما يقع عند الاستحياء أو الاحتشام، وكلاهما مما لا يتصور في حق زيد. أمسك عليك زوجك أي: زينب. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أبصرها بعد ما أنكحها إياه، فوقعت في نفسه حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر، فقال: سبحان الله مقلب القلوب. وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن لذلك، ووقع في نفسه كراهة صحبتها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أريد أن أفارق صاحبتي. فقال: ما لك أرابك منها شيء؟ قال: لا والله ما رأيت منها إلا خيرا، ولكنها لشرفها تتعظم علي. فقال له: أمسك عليك زوجك. واتق الله في أمرها فلا تطلقها إضرارا وتعللا بتكبرها. وتخفي في نفسك ما الله مبديه وهو نكاحها إن طلقها، أو إرادة طلاقها. وتخشى الناس تعييرهم إياك به. والله أحق أن تخشاه إن كان فيه ما يخشى. و "الواو" للحال وليست المعاتبة على الإخفاء وحده، بل على الإخفاء مخافة قالة الناس، وإظهار ما ينافى إضماره، فإن الأولى في أمثال ذلك أن يصمت، أو يفوض الأمر إلى ربه. فلما قضى زيد منها وطرا بحيث لم يبق له فيها حاجة وطلقها، وانقضت عدتها. وقيل: قضاء الوطر كناية عن الطلاق، مثل: لا حاجة لي فيك. زوجناكها وقرئ: (زوجتكها) والمراد الأمر بتزويجها منه صلى الله عليه وسلم، وقيل: جعلها زوجته بلا واسطة عقد، ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى تولى نكاحي، وأنتن زوجكن أولياؤكن. وقيل: كان زيد السفير في خطبتها، وذلك ابتلاء عظيم، وشاهد عدل بقوة إيمانه. لكي لا يكون على المؤمنين حرج ضيق ومشقة. في أزواج أدعيائهم أي: في حق تزوجهن. إذا قضوا منهن وطرا فإن لهم في رسول الله أسوة حسنة، وفيه دلالة على أن حكمه صلى الله عليه وسلم وحكم الأمة سواء إلا ما خصه الدليل. وكان أمر الله أي: ما يريد تكوينه من الأمور، أو مأموره الخاص بكن. مفعولا مكونا لا محالة، اعتراض تذييلي مقرر لما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية