الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين

قوله تعالى : فستبصر ويبصرون قال ابن عباس : معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة . وقيل : فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل .

بأيكم المفتون الباء زائدة ; أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . أي الذي فتن بالجنون ; كقوله تعالى : تنبت بالدهن و يشرب بها عباد الله . وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش . وقال الراجز :

نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

وقيل : الباء ليست بزائدة ; والمعنى : بأيكم المفتون أي الفتنة . وهو مصدر على وزن المفعول ، ويكون معناه الفتون ; كما قالوا : ما لفلان مجلود ولا معقول ; أي عقل ولا جلادة . وقاله الحسن والضحاك وابن عباس . وقال الراعي :

حتى إذا لم يتركوا لعظامه     لحما ولا لفؤاده معقولا

أي عقلا . وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف ; والمعنى : بأيكم فتنة المفتون . وقال الفراء : الباء بمعنى في ; أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ; أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى . والمفتون : المجنون الذي فتنه الشيطان . وقيل : المفتون المعذب . من قول العرب : فتنت الذهب بالنار إذا حميته . ومنه قوله تعالى : يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون . ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل . وقيل : المفتون هو الشيطان ; لأنه مفتون في دينه . وكانوا يقولون : إن به شيطانا ، وعنوا بالمجنون هذا ; فقال الله تعالى : [ ص: 213 ] فسيعلمون غدا بأيهم المجنون ; أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .

إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله أي إن الله هو العالم بمن حاد عن دينه .

وهو أعلم بالمهتدين أي الذين هم على الهدى فيجازي كلا غدا بعمله .

التالي السابق


الخدمات العلمية