الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا

                                                                                                                                                                                                                                      37 - وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ؛ بالإسلام؛ الذي هو أجل النعم؛ وأنعمت عليه ؛ بالإعتاق؛ والتبني؛ فهو متقلب في نعمة الله؛ ونعمة رسوله؛ وهو زيد بن حارثة؛ أمسك عليك زوجك ؛ زينب بنت جحش؛ وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصرها بعدما أنكحها إياه؛ فوقعت في نفسه؛ فقال: "سبحان الله مقلب القلوب"؛ وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك؛ لا تريدها؛ وسمعت زينب بالتسبيحة؛ فذكرتها لزيد؛ ففطن؛ وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها؛ والرغبة عنها لرسول الله؛ فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أريد أن أفارق صاحبتي؛ فقال: "ما لك؟ أرابك منها شيء؟""؛ قال: لا والله؛ ما رأيت منها إلا خيرا؛ ولكنها تتعظم علي لشرفها؛ وتؤذيني؛ فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله ؛ فلا تطلقها"؛ وهو نهي تنزيه؛ إذ الأولى ألا يطلق؛ أو "واتق الله"؛ فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج؛ وتخفي في نفسك ما الله مبديه أي: تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد؛ وهو الذي أبداه الله؛ وقيل: الذي أخفى في نفسه [ ص: 33 ] تعلق قلبه بها؛ ومودة مفارقة زيد إياها؛ والواو في "وتخفي في نفسك"؛ وتخشى الناس ؛ أي: قالة الناس: إنه نكح امرأة ابنه؛ والله أحق أن تخشاه ؛ واو الحال؛ أي: تقول لزيد: أمسك عليك زوجك مخفيا في نفسك إرادة ألا يمسكها؛ وتخفي خاشيا قالة الناس؛ وتخشى الناس حقيقا في ذلك بأن تخشى الله؛ وعن عائشة - رضي الله عنها -: "لو كتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية"؛ فلما قضى زيد منها وطرا ؛ "الوطر": الحاجة؛ فإذا بلغ البالغ حاجته من شيء له فيه همة قيل: "قضى منه وطره"؛ والمعنى: فلما لم يبق لزيد فيها حاجة؛ وتقاصرت عنها همته؛ وطلقها؛ وانقضت عدتها؛ زوجناكها ؛ روي أنها لما اعتدت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد: "ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك؛ اخطب علي زينب"؛ قال زيد: فانطلقت؛ وقلت: يا زينب؛ أبشري؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبك؛ ففرحت؛ وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ودخل بها؛ وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها؛ ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم؛ حتى امتد النهار؛ لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ؛ قيل: قضاء الوطر: إدراك الحاجة؛ وبلوغ المراد منه؛ وكان أمر الله ؛ الذي يريد أن يكونه؛ مفعولا ؛ مكونا لا محالة؛ وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية