الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما رأى المؤمنون الأحزاب بيان لما صدر عن خلص المؤمنين عند اشتباه الشؤون واختلاط الظنون، بعد حكاية ما صدر عن غيرهم، أي لما شاهدوهم حسبما وصفوا لهم، قالوا هذا إشارة عند بعض المحققين إلى ما شاهدوه من غير أن يخطر ببالهم لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه، فإنهما من أحكام اللفظ، نعم يجوز التذكير باعتبار الخبر الذي هو ما وعدنا الله ورسوله فإن ذلك العنوان أول ما يخطر ببالهم عند المشاهدة، وعند الأكثر إشارة إلى الخطب والبلاء، (وما) موصولة عائدها محذوف وهو المفعول الثاني (لوعد) أي الذي وعدناه الله، وجوز أن تكون مصدرية، أي هذا وعد الله تعالى ورسوله إيانا، وأرادوا بذلك ما تضمنه قوله تعالى في سورة [البقرة: 214]، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء كما أخرج ذلك ابن جرير ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرجه جماعة عن قتادة أيضا، ونزلت آية البقرة قبل الواقعة بحول على ما أخرجه جويبر عن الضحاك ، عن الحبر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي البحر: عن ابن عباس قال: «قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا.

                                                                                                                                                                                                                                      أي في آخر تسع ليال، أو عشر، أي من وقت الإخبار، أو من غرة الشهر، فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد، قالوا ذلك، فمرادهم بذلك ما وعد بهذا الخبر. وتعقبه ابن حجر بأنه لم يوجد في كتب الحديث، وقرئ بإمالة الراء من «رأى» نحو الكسرة وفتح الهمزة وعدم إمالتها، وروي إمالتهما وإمالة الهمزة دون الراء على تفصيل فيه في النشر، فليراجع، وصدق الله ورسوله الظاهر أنه داخل في حيز القول، فجوز أن يكون عطفا على جملة هذا ما وعدنا إلخ ، أو على صلة الموصول، وهو كما ترى، وأن يكون في موضع الحال بتقدير قد، أو بدونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأيا ما كان، فالمراد ظهر صدق خبر الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن الصدق محقق قبل ذلك والمترتب على رؤية الأحزاب ظهوره، وجوز أن يكون المعنى: وصدق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام في النصرة والثواب كما صدق الله تعالى ورسوله في البلاء، والإظهار مع سبق الذكر للتعظيم، ولأنه لو أضمر، وقيل وصدق جاء الجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير واحد، والأولى تركه، أو قيل وصدق وهو ورسوله بقي الإظهار في مقام الإضمار فلا يندفع السؤال كذا قيل، وحديث الجمع قد مر ما فيه، وما زادهم أي ما رأوا المفهوم من قوله تعالى: ولما رأى المؤمنون إلخ، ورجوع الضمير إلى المصدر المفهوم من ( رأى ) يعكر عليه التذكير، وأرجعه بعضهم إلى الشهود المفهوم من ذلك، وجوز رجوعه إلى الوعد، أو الخطب والبلاء المفهومين من السياق، أو الإشارة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن أبي عبلة «وما زادوهم» بضمير الجمع العائد على الأحزاب إلا إيمانا بالله تعالى وبمواعيده عز وجل، وتسليما لأوامره جل شأنه وأقداره سبحانه، واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه، ومن أنكر قال: إن الزيادة فيما يؤمن به لا في نفس الإيمان، والبحث في ذلك مشهور، وفي كتب الكلام على أبسط وجه مسطور.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية