الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      حرمة مكة

                                                                                                      2874 أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فذكر كلمة معناها إلا الإذخر

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      2874 ( هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ) لا معارضة بين هذا وبين حديث : إن إبراهيم حرم مكة لأن المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس ، وكانت قبل ذلك عند الله حراما ، أو أول من أظهره بعد الطوفان ، وقال القرطبي : معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل ، قال : ولأجل هذا أكد المعنى بقوله : ولم يحرمها الناس . والمراد أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه ، أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك ، وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية ، كما حرموا أشياء من عند أنفسهم ، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه ، وقيل : معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ( فهو حرام بحرمة الله ) أي : بتحريمه وقيل : الحرمة الحق أي حرام بالحق المانع من تحليله ( لا يعضد شوكه ) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة : أي لا يقطع ( ولا ينفر صيده ) بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة قيل : هو كناية عن الاصطياد وقيل : [ ص: 204 ] على ظاهره ، قال النووي : يحرم التنفير وهو الإزعاج عن موضعه ( ولا يختلى ) أي لا يقطع ( خلاه ) بالخاء المعجمة والقصر ، وحكي مده وهو الرطب من النبات ( قال العباس ) أي ابن عبد المطلب ( إلا الإذخر ) يجوز فيه الرفع على البدل مما قبله والنصب , قال ابن مالك : وهو [ ص: 205 ] المختار لكون الاستثناء وقع متراخيا عن المستثنى منه فبعدت المشاكلة بالبدلية ، ولكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودا ، والإذخر نبت معروف طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ، وذاله معجمة وهمزته مكسورة زائدة ، قال في فتح الباري : لم يرد العباس أن يستثني هو ، وإنما أراد أن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء . وقوله صلى الله عليه وسلم في جوابه : إلا الإذخر هو استثناء بعض من كل لدخول الإذخر في عموم ما يختلى , واختلف هل قاله باجتهاد أو وحي ؟ وقيل : كان الله فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقا وقيل : أوحى إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله




                                                                                                      الخدمات العلمية