الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( 41 ) ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ( 42 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك ، فتعلم أن الله يصلي له من في السماوات والأرض من ملك وإنس وجن ( والطير صافات ) في الهواء أيضا تسبح له ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) والتسبيح عندك صلاة ، فيقال : قيل : إن الصلاة لبني آدم ، والتسبيح لغيرهم من الخلق ، ولذلك فصل فيما بين ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

[ ص: 200 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) قال : والصلاة للإنسان ، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) قال : صلاته للناس ، وتسبيحه عامة لكل شيء .

ويتوجه قوله : ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) لوجوه : أحدها أن تكون الهاء التي في قوله : ( صلاته وتسبيحه ) من ذكر كل ، فيكون تأويل الكلام : كل مصل ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه ، ويكون الكل حينئذ مرتفعا بالعائد من ذكره في قوله : ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) وهو الهاء التي في الصلاة .

والوجه الآخر : أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح أيضا للكل ، ويكون الكل مرتفعا بالعائد من ذكره عليه في ( علم ) ويكون ( علم ) فعلا للكل ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قد علم كل مصل ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه ، الذي كلفه وألزمه .

والوجه الآخر : أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح من ذكر الله ، والعلم للكل ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قد علم كل مسبح ومصل صلاة الله التي كلفه إياها ، وتسبيحه ، وأظهر هذه المعاني الثلاثة على هذا الكلام ، المعنى الأول ، وهو أن يكون المعنى : كل مصل منهم ومسبح قد علم الله صلاته وتسبيحه .

وقوله : ( والله عليم بما يفعلون ) يقول تعالى ذكره : والله ذو علم بما يفعل كل مصل ومسبح منهم ، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم ، طاعتها ومعصيتها ، محيط بذلك كله ، وهو مجازيهم على ذلك كله .

وقوله : ( ولله ملك السماوات والأرض ) يقول جل ثناؤه : ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كل من هو دونه من سلطان وملك ، فإياه فارهبوا أيها الناس ، وإليه فارغبوا لا إلى غيره ، فإن بيده خزائن السماوات والأرض ، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا ( وإلى الله المصير ) يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم ، مصيركم ومعادكم ، فيوفيكم [ ص: 201 ] أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا ، فأحسنوا عبادته ، واجتهدوا في طاعته ، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية