الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط، كما أرادوا بنفي إتيانها نفي وجودها بالكلية، لا عدم حضورها مع تحققها في نفس الأمر، وإنما عبروا عنه بذلك; لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها، ولأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما أجزاء الزمان لا يكون إلا بالإتيان والحضور. وقيل: هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية، كقولهم: متى هذا الوعد؟ قل بلى رد لكلامهم، وإثبات لما نفوه على معنى ليس الأمر إلا إتيانها، وقوله تعالى: وربي لتأتينكم تأكيد له على أتم الوجوه وأكملها. وقرئ: (ليأتينكم) على تأويل الساعة باليوم أو الوقت. وقوله تعالى: عالم الغيب ... إلخ. إمداد للتأكيد وتسديد له إثر تسديد، وكسر لسورة نكيرهم واستبعادهم. فإن تعقيب القسم بحلائل نعوت المقسم به على الإطلاق يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه ، وقوة ثباته وصحته، لما أن لك في حكم الاستشهاد على الأمر، ولا ريب في أن المستشهد به كلما كان أجل وأعلى كانت الشهادة آكد وأقوى، والمستشهد عليه أحق بالثبوت وأولى، لا سيما إذا خص بالذكر من النعوت ما له تعلق خاص بالمقسم عليه، كما نحن فيه؛ فإن وصفه بعلم الغيب الذي أشهر أفراده، وأدخلها في الخفاء، هو المقسم عليه تنبيه لهم على علة الحكم، وكونه مما لا يحوم حوله شائبة ريب ما. وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يقي المعاندين عذر ما أصلا فإنهم كانوا يعرفون أمانته ونزاهته عن وصمة الكذب، فضلا عن اليمين الفاجرة، وإنما لم يصدقوه مكابرة. وقرئ: (علام الغيب) و (عالم الغيب) و (عالم الغيوب) بالرفع على المدح.

                                                                                                                                                                                                                                      لا يعزب عنه أي: لا يبعد. وقرئ بكسر الزاي مثقال ذرة مقدار أصغر نملة في السماوات ولا في الأرض أي: كائنة فيهما. ولا أصغر من ذلك أي: من مثقال ذرة، ولا أكبر أي: منه. ورفعهما على الابتداء، والخبر قوله تعالى: إلا في كتاب مبين هو اللوح المحفوظ . والجملة مؤكدة لنفي العزوب. وقرئ: (ولا أصغر) (ولا أكبر) بفتح الراء على نفي الجنس، ولا يجوز أن يعطف المرفوع على مثقال، ولا المفتوح على ذرة بأنه فتح في حيز الجر; لامتناع الصرف لما أن الاستثناء يمنعه، إلا أن يجعل الضمير في "عنه" للغيب، ويجعل المثبت في اللوح خارجا عنه; لبروزه للمطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطورا في اللوح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية