الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما نفروا عنه بهذا الإخبار المحير في الحامل له عليه، خيلوا بتقسيم القول فيه في استفهام مردد بين الاستعجام تعجيبا والإنكار، فقالوا جوابا لمن سأل عن سبب إخباره بإسقاط همزة الوصل، لعدم الإلباس [ ص: 452 ] هنا بخلاف ما يصحب لام التعريف فإنها لفتحها تلبس بالخبر: أفترى أي تعمد على الله [أي] الذي لا أعظم منه كذبا بالإخبار بخلاف الواقع [وهو عاقل يصح منه القصد]. ولما كان يلزم من التعمد العقل، قالوا: أم به جنة أي جنون، فهو يقول الكذب، وهو ما لا حقيقة له من غير تعمد، [لأنه ليس من أهل القصد، فالآية من الاحتباك: ذكر الافتراء أولا يدل على ضده ثانيا، وذكر الجنون ثانيا يدل على ذكر ضده أولا].

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الجواب: ليس به شيء من ذلك، عطف عليه مخبرا عن بعض الذين كفروا بما يوجب ردع البعض الآخر قوله: بل الذين لا يؤمنون أي [لا] يجددون الإيمان لأنهم طبعوا على الكفر بالآخرة أي الفطرة الآخرة التي أدل شيء عليها الفطرة الأولى. ولما كان هذا القول مسببا عن ضلالهم، وكان ضلالهم سببا لعذابهم، قدم العذاب لأنه المحط وليرتدع من أراد الله إيمانه فقال: في العذاب أي في الدنيا بمحاولة إبطال ما أراد الله إتمامه، وفي الآخرة لما فيه من المعصية، وأتبعه سببه فقال: والضلال أي عما يلزم من وجوب وحدانيته وشمول قدرته بسبب أن له ما في السماوات وما في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان قولهم بعيدا من الحق لوصفهم أهدى الناس بالضلال، [ ص: 453 ] وكان الضلال يبعد ببعد صاحبه عن الجادة وتوغله في المهامه الوعرة الشاسعة، قال واصفا له بوصف الضال: البعيد فبين الوصف أنه لا يمكن الانفكاك عنه، وعلم أن من الذين كفروا قسما لم يطبعوا على الكفر، فضلوا ضلالا قريبا يمكن انفكاكهم عنه، وهم الذين آمنوا منهم بعد، وهو من بديع القول حيث عبر بها الظاهر الذي أفهم هذا التقسيم موضع الإضمار الذي كان حقه: بل هم في كذا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية