الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر علة الإلانة بصيغة الأمر إشارة إلى أن عمله كان لله فقال: أن اعمل سابغات أي دروعا طوالا واسعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان السرد الخرز في الأديم وإدخال الخيط في موضع الخرز شبه إدخال الحلقة في الأخرى بلحمة لا طرف لها بمواضع الخرز فقال: وقدر في السرد أي النسج بأن يكون كل حلقة مساوية لأختها مع كونها ضيقة لئلا ينفذ منها سهم ولتكن في تحتها بحيث [ ص: 459 ] لا يقلعها سيف ولا تثقل على الدارع فتمنعه خفة التصرف وسرعة الانتقال في الكر والفر والطعن والضرب في البرد والحر، والظاهر أنه لم يكن في حلقها مسامير لعدم الحاجة بإلانة الحديد إليها، وإلا لم يكن بينه وبين غيره فرق، ولا كان للإلانة فائدة، وقد أخبر بعض من رأى ما نسب إليه بغير مسامير، قال الزجاج: السرد في اللغة: تقدير الشيء إلى الشيء ليتأتى متسقا بعضه في أثر بعض متتابعا، ومنه قولهم: سرد فلان الحديث. وهذا كما ألان الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في الخندق تلك الكدية وفي رواية: الكذانة وذلك بعد أن لم تكن المعاول تعمل فيها وبلغت غاية الجهد منهم فضربها صلى الله عليه وسلم ضربة واحدة، وفي رواية رش عليها ماء فعادت كثيبا أهيل لا ترد فأسا وتلك الصخرة التي أخبره سلمان رضي الله عنها أنها كسرت فؤوسهم ومعاولهم وعجزوا عنها فضربها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات كسر في ضربه ثلاثا منها وبرقت مع كل ضربة برقة كبر معها تكبيرة، وأضاءت للصحابة رضي الله عنهم ما بين [ ص: 460 ] لابتي المدينة بحيث كانت في النهار كأنها مصباح في جوف بيت مظلم، فسألوه عن ذلك فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن إحدى الضربات أضاءت له صنعاء من أرض اليمن حتى رأى أبوابها من مكانه ذلك، وأخبره جبرائيل عليه السلام أنها ستفتح على أمته، وأضاءت له الأخرى قصور الحيرة البيض كأنها أنياب الكلاب، وأخبر أنها مفتوحة لهم، وأضاءت له الأخرى قصور الشام الحمر كأنها أنياب الكلاب، وأخبر بفتحها عليهم، فصدقه الله تعالى في جميع ما قال، وأعظم من ذلك تصليب الخشب له حتى يصير سيفا قوي المتن جيد الحديدة، وذلك أن سيف عبد الله بن جحش رضي الله عنه انقطع يوم أحد، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا فعاد في يده سيفا قائمة منه فقاتل به، فكان يسمى العون، ولم يزل بعد يتوارث حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار ذكره الكلاعي في السيرة عن الزبير بن أبي بكر والبيهقي، وقاتل [عكاشة] بن محصن يوم بدر فانقطع سيفه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب، فلما أخذه هزه فعاد في يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده حتى قتل في الردة [ ص: 461 ] وهو عنده، وعن الواقدي أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم بن الحريش يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال: اضرب به فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد، وإلحامه للحديد ليس بأعجب من إلحام النبي صلى الله عليه وسلم ليد معوذ بن عفراء لما قطعها أبو جهل يوم بدر فأتى بها يحملها في يده الأخرى فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقها فلصقت وصحت مثل أختها كما نقله البيهقي وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أتم سبحانه ما يختص به من الكرامات، عطف عليها ما جمع فيه الضمير لأنه يعم غيره فقال: واعملوا أي أنت ومن أطاعك صالحا أي بما تفضلنا به عليكم من العلم والتوفيق للطاعة، ثم علل هذا الأمر ترغيبا وترهيبا بقوله مؤكدا إشارة إلى أن إنكارهم للقدرة على البعث إنكار لغيرها من الصفات وإلى [أن] المتهاون في العمل في عداد من ينكر أنه بعين الله: إني بما تعملون أي كله بصير أي مبصر وعالم بكل ظاهر له وباطن.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية