الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (29) قوله : محمد رسول الله : يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، لأنه لما تقدم : " هو الذي أرسل رسوله " دل على ذلك المقدر أي : هو أي : الرسول بالهدى محمد ، و " رسول " بدل أو بيان أو نعت ، وأن يكون مبتدأ أو خبرا ، وأن يكون مبتدأ و " رسول الله " على ما تقدم من البدل والبيان والنعت . " والذين معه " عطف على " محمد " والخبر عنهم قوله : أشداء على الكفار . وابن عامر في رواية " رسول الله " بالنصب على الاختصاص ، وهي تؤيد كونه تابعا لا خبرا حالة الرفع . ويجوز أن يكون " والذين " على هذا الوجه مجرورا عطفا على الجلالة أي : ورسول الذين آمنوا معه ; لأنه لما أرسل إليهم أضيف إليهم فهو رسول الله بمعنى : أن الله أرسله ، ورسول أمته بمعنى : أنه مرسل إليهم ، ويكون " أشداء " حينئذ خبر مبتدأ مضمر أي : هم أشداء . ويجوز أن يكون تم الكلام على " رسول الله " " والذين معه " مبتدأ و "أشداء " خبره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن " أشداء ، رحماء " بالنصب : إما على المدح ، وإما على الحال من الضمير المستكن في " معه " لوقوعه صلة ، والخبر حينئذ عن المبتدأ .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : تراهم ركعا سجدا حالان ; لأن الرؤية بصرية ، وكذلك " يبتغون " [ ص: 721 ] يجوز أن يكون مستأنفا ، وإذا كانت حالا فيجوز أن تكون حالا ثالثة من مفعول " تراهم " وأن تكون من الضمير المستتر في " ركعا سجدا " . وجوز أبو البقاء أن يكون " سجدا " حالا من الضمير في " ركعا " حالا مقدرة . فعلى هذا يكون " يبتغون " حالا من الضمير في " سجدا " فتكون حالا من حال ، وتلك الحال الأولى حال من حال أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن يعمر " أشدا " بالقصر ، والقصر من ضرائر الأشعار كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      4081 - لا بد من صنعا وإن طال السفر



                                                                                                                                                                                                                                      فلذلك كانت شاذة . قال الشيخ : " وقرأ عمرو بن عبيد " ورضوانا " بضم الراء " . قلت : هذه قراءة متواترة قرأها عاصم في رواية أبي بكر عنه قدمتها في سورة آل عمران ، واستثنيت له حرفا واحدا وهو ثاني المائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ " سيمياؤهم " بياء بعد الميم والمد ، وهي لغة فصيحة وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      4082 - غلام رماه الله بالحسن يافعا     له سيمياء لا تشق على البصر



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 722 ] وتقدم الكلام عليها وعلى اشتقاقها في آخر البقرة . و " في وجوههم " خبر " سيماهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : من أثر السجود حال من الضمير المستتر في الجار ، وهو " في وجوههم " .

                                                                                                                                                                                                                                      والعامة " من أثر " بفتحتين ، وابن هرمز بكسر وسكون ، وقتادة " من آثار " جمعا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " ذلك مثلهم " " ذلك " إشارة إلى ما تقدم من وصفهم بكونهم أشداء رحماء لهم سيما في وجوههم ، وهو مبتدأ خبره " مثلهم " و " في التوراة " حال من مثلهم " والعامل معنى الإشارة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ومثلهم في الإنجيل يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أنه مبتدأ وخبره " كزرع " فيوقف على قوله : " في التوراة " فهما مثلان . وإليه ذهب ابن عباس . والثاني : أنه معطوف على " مثلهم " الأول ، فيكون مثلا واحدا في الكتابين ، ويوقف حينئذ على " الإنجيل " وإليه نحا مجاهد والفراء ، ويكون قوله على هذا : " كزرع " فيه أوجه ، أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر أي : مثلهم كزرع ، فسر بها المثل المذكور . الثاني : أنه حال من الضمير في " مثلهم " أي : مماثلين زرعا هذه صفته . الثالث : أنها نعت مصدر محذوف أي : تمثيلا كزرع ، ذكره أبو البقاء . وليس بذاك . وقال الزمخشري : " ويجوز أن يكون " ذلك " إشارة مبهمة أوضحت بقوله : " كزرع " كقوله : وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 723 ] قوله : " أخرج شطأه " صفة لزرع . وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء ، والباقون بإسكانها ، وهما لغتان . وفي الحرف لغات أخرى قرئ بها في الشاذ : فقرأ أبو حيوة " شطاءه " بالمد ، وزيد بن علي " شطاه " بألف صريحة بعد الطاء ، فاحتملت أن تكون بدلا من الهمزة بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها على لغة من يقول : المراة والكماة بعد النقل ، وهو مقيس عند الكوفيين ، واحتمل أن يكون مقصورا من الممدود . وأبو جعفر ونافع في رواية " شطه " بالنقل والحذف وهو القياس . والجحدري " شطوه " أبدل الهمزة واوا ، إذ تكون لغة مستقلة . وهذه كلها لغات في فراخ الزرع . يقال : شطأ الزرع وأشطأ أي : أخرج فراخه . وهل يختص ذلك بالحنطة فقط ، أو بها وبالشعير فقط ، أو لا يختص ؟ خلاف مشهور قال :


                                                                                                                                                                                                                                      4083 - أخرج الشطء على وجه الثرى     ومن الأشجار أفنان الثمر



                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " فآزره " العامة على المد وهو على أفعل . وغلطوا من قال : إنه فاعل كمجاهد وغيره بأنه لم يسمع في مضارعه يؤازر بل يؤزر . وقرأ ابن ذكوان " فأزره " مقصورا جعله ثلاثيا . وقرئ " فأزره " بالتشديد والمعنى في الكل : قواه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 724 ] وقيل : ساواه . وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      4084 - بمحنية قد آزر الضال نبتها     مجر جيوش غانمين وخيب



                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " على سوقه " متعلق بـ " استوى " ، ويجوز أن يكون حالا أي : كائنا على سوقه أي : قائما عليها . وقد تقدم في النمل أن قنبلا يقرأ " سؤقه " بالهمزة الساكنة كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      4085 - أحب المؤقدين إلي موسى      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وبهمزة مضمومة بعدها واو كقروح ، وتوجيه ذلك . والسوق : جمع ساق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " يعجب الزراع " حال أي : معجبا ، وهنا تم المثل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " ليغيظ " فيه أوجه ، أحدها : أنه متعلق بـ " وعد " ; لأن الكفار إذا سمعوا بعز المؤمنين في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة غاظهم ذلك . الثاني : أن يتعلق بمحذوف دل عليه تشبيههم بالزرع في نمائهم وتقويتهم . قاله [ ص: 725 ] الزمخشري أي : شبههم الله بذلك ليغيظ . الثالث : أنه متعلق بما دل عليه قوله : أشداء على الكفار إلى آخره أي : جعلهم بهذه الصفات ليغيظ .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " منهم " " من " هذه للبيان لا للتبعيض ; لأن كلهم كذلك فهي كقوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان . وقال الطبري : " منهم أي : من الشطء الذي أخرجه الزرع ، وهم الداخلون في الإسلام إلى يوم القيامة " ، فأعاد الضمير على معنى الشطء ، لا على لفظه ، وهو معنى حسن .

                                                                                                                                                                                                                                      [تمت بعون الله سورة

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية