الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 264 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ( 30 ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ( 31 ) )

يقول تعالى ذكره : وقال الرسول يوم يعض الظالم على يديه : يا رب إن قومي الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك اتخذوا هذا القرآن مهجورا .

واختلف أهل التأويل في معنى اتخاذهم القرآن مهجورا ، فقال بعضهم : كان اتخاذهم ذلك هجرا ، قولهم فيه السييء من القول ، وزعمهم أنه سحر ، وأنه شعر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) قال : يهجرون فيه بالقول ، يقولون : هو سحر .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( وقال الرسول ) . . الآية : يهجرون فيه بالقول . قال مجاهد : وقوله : ( مستكبرين به سامرا تهجرون ) قال : مستكبرين بالبلد سامرا مجالس تهجرون ، قال : بالقول السييء في القرآن غير الحق .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ، ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قول الله : ( إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) قال : قالوا فيه غير الحق ، ألم تر إلى المريض إذا هذي قال غير الحق .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : الخبر عن المشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا له .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) لا يريدون أن يسمعوه ، وإن دعوا إلى الله قالوا لا . وقرأ ( وهم ينهون عنه وينأون عنه ) قال : ينهون عنه ، ويبعدون عنه .

قال أبو جعفر : وهذا القول أولى بتأويل ذلك ، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا : [ ص: 265 ] ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) ، وذلك هجرهم إياه .

وقوله : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك ، كذلك جعلنا لكل من نبأناه من قبلك عدوا من مشركي قومه ، فلم تخصص بذلك من بينهم . يقول : فاصبر لما نالك منهم كما صبر من قبلك أولو العزم من رسلنا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن عباس : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ) قال : يوطن محمدا صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوا من المجرمين كما جعل لمن قبله .

وقوله : ( وكفى بربك هاديا ونصيرا ) يقول تعالى ذكره لنبيه : وكفاك يا محمد بربك هاديا يهديك إلى الحق ، ويبصرك الرشد ، ونصيرا : يقول : ناصرا لك على أعدائك ، يقول : فلا يهولنك أعداؤك من المشركين ، فإني ناصرك عليهم ، فاصبر لأمري ، وامض لتبليغ رسالتي إليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية