الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان قد بقي من أقسام النفع الشفاعة، وكان المقصود منها أثرها لا عينها، نفاه بقوله: ولا تنفع أي في أي وقت من الأوقات الشفاعة عنده أي بوجه من الوجوه بشيء من الأشياء إلا لمن ولما كانت كثافة الحجاب أعظم في الهيبة، وكان البناء للمجهول أدل على كثافة الحجاب، قال في قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بجعل المصدر عمدة الكلام وإسناد الفعل إليه: أذن له أي وقع منه [ ص: 495 ] إذن له على لسان من شاء من جنوده بواسطة واحدة أو أكثر في أن يشفع في غيره أو في أن يشفع [فيه] غيره، وقراءة الباقين بالبناء للفاعل تدل على العظمة من وجه آخر، وهو أنه لا افتيات عليه بوجه من أحد ما، بل لا أن ينص هو سبحانه على الإذن، وإلا فلا استطاعة عليه أصلا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من المعلوم أن الموقوفين في محل خطر للعرض على ملك مرهوب متى نودي باسم أحد منهم فقيل أين فلان ينخلع قلبه وربما أغمي عليه، فلذلك كان من المعلوم مما مضى أنه متى برز النداء من قبله تعالى في ذلك المقام الذي ترى فيه كل أمة جاثية يغشى على الشافعين والمشفوع لهم، فلذلك حسن كل الحسن قوله تعالى: حتى وهو غاية لنحو أن يقال: فإذا أذن له وقع الصعق لجلاله وكبريائه وكماله حتى إذا فزع أي أزيل الفزع بأيسر أمر وأهون سعي من أمره سبحانه - هذا في قراءة الجماعة بالبناء للمجهول، وأزال هو سبحانه الفزع في قراءة ابن عامر ويعقوب، إشارة إلى أنه لا يخرج عن أمره شيء عن قلوبهم أي الشافعين والمشفوع لهم، فإن "فعل" [ ص: 496 ] يأتي للإزالة كقذيت عينه، إذا أزلت عنها القذى قالوا أي قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم ذاكرين صفة الإحسان ليرجع إليهم رجاؤهم فتسكن لذلك قلوبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ملوك الدنيا ربما قال بعضهم قولا ثم بدا له فرجع عنه، أو عارضه فيه شخص من أعيان جنده فينتقض، أخبر أن الملك الديان ليس كذلك فقال: قالوا الحق أي الثابت الذي لا يمكن أن يبدل، بل يطابقه الواقع فلا يكون شيء يخالفه وهو العلي أي فلا رتبة إلا دون رتبته سبحانه وتعالى، فلا يقول غير الحق من نقص علم الكبير أي الذي لا كبير غيره فيعارضه في شيء من حكم; روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم [قال]: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا - للذي قال - الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - [و] وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع [ ص: 497 ] الكلمة ويلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس [قد] قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء" وقال في التوحيد: وقال مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنهما: "وإذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق" [وروى هذا الحديث العيني في جزئه عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يسمعون فيه الوحي، وفيه: فلا ينزل على سماء إلا صفقوا، وفي آخره: ثم يقال: يكون العام كذا ويكون العام كذا، فتسمع الجن ذلك فتخبر به الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم دحروا، فقالت العرب: هلك من في السماء، فذكر ذبح العرب لأموالهم من الإبل وغيرها، حتى نهتهم ثقيف، واستدلوا بثبات معلم النجوم، ثم أمر إبليس جنده بإحضار التراب وشمه حتى عرف أن الحدث من مكة].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية