الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما صفة هذا العقد فله صفتان إحداهما قبل الوجود ، والأخرى بعد الوجود ، أما التي هي قبل الوجود فهي أن الوصية بالفرائض والواجبات واجبة ، وبما وراءها جائزة ، ومندوب إليها ، ومستحبة في بعض الأحوال ، وعند بعض الناس : الكل واجب ، وقد بينا ذلك كله في صدر الكتاب .

                                                                                                                                وأما التي هي بعد الوجود فهي أن هذا عقد غير لازم في حق الموصى حتى يملك الرجوع عندنا ما دام حيا ; لأن الموجود قبل موته مجرد إيجاب ، وأنه محتمل الرجوع في عقد المعاوضة فهي بالتبرع أولى كما في الهبة ، والصدقة إلا التدبير المطلق خاصة فإنه لازم لا يحتمل الرجوع أصلا ، وإن كان وصية ; لأنه إيجاب يضاف إلى الموت ، ولهذا يعتبر من الثلث ; لأنه سبب لثبوت العتق ، والعتق لازم .

                                                                                                                                وكذا سببه ; لأنه سبب حكم لازم .

                                                                                                                                وكذا التدبير المقيد لا يحتمل الرجوع نصا ، ولكنه يحتمله دلالة بالتمليك من غيره ; لأن العتق فيه تعلق بموت موصوف بصفة ، وقد لا توجد تلك الصفة فلم يستحكم السبب ، ثم الرجوع قد يكون نصا ، وقد يكون دلالة ، وقد يكون ضرورة ، أما النص فهو أن يقول الموصي : رجعت ، أما الدلالة فقد تكون فعلا ، وقد تكون قولا ، وهو أن يفعل في الموصى به فعلا يستدل به على الرجوع أو يتكلم بكلام يستدل به على الرجوع ، وبيان هذه الجملة إذا فعل في الموصى به فعلا لو فعله في المغصوب لانقطع به ملك المالك - كان رجوعا كما إذا أوصى بثوب ثم قطعه ، وخاطه قميصا أو قباء أو بقطن ثم غزله أو لم يغزله ثم نسجه أو بحديدة ثم صنع منها إناء أو سيفا أو سكينا أو بفضة ثم صاغ منها حليا ، ونحو ذلك ; لأن هذه الأفعال لما [ ص: 379 ] أوجبت بطلان حكم ثابت في المحل ، وهو الملك ; فلأن توجب بطلان مجرد كلام من غير حكم أصلا أولى ، ثم وجه الدلالة منها على التفصيل : أن كل واحد منها تبديل العين ، وتصييرها شيئا آخر معنى ، واسما ، فكان استهلاكا لها من حيث المعنى ، فكان دليل الرجوع فصار كالمشتري بشرط الخيار إذا فعل في المبيع فعلا يدل على إبطال الخيار يبطل خياره ، والأصل في اعتبار الدلالة إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للمخيرة { إن وطئك زوجك فلا خيار لك } .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية