الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4777 باب : المرء مع من أحب

                                                                                                                              ومثله (في النووي) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص187 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : يا رسول الله ! متى الساعة ؟ قال : "وما أعددت للساعة ؟" . قال : حب الله ورسوله . قال : "فإنك مع من أحببت" .

                                                                                                                              قال أنس : فما فرحنا -بعد الإسلام- فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : "فإنك مع من أحببت" .

                                                                                                                              قال أنس : فأنا أحب الله ورسوله ، وأبا بكر ، وعمر . فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) .

                                                                                                                              [ ص: 87 ] قال (في الفتح) : الرجل هو "ذو الخويصرة" اليماني ، الذي بال في المسجد . وحديثه في ذلك مخرج عند الدارقطني . ومن زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر فقد وهم ؛ فإنهما وإن اشتركا في معنى الجواب وهو "أن المرء مع من أحب" ، فقد اختلف سؤالهما . فإن كلا منهما إنما سأل "عن الرجل يحب القوم ، ولم يلحق بهم" . وهذا سأل : "متى الساعة ؟" .

                                                                                                                              (فقال : يا رسول الله ! متى الساعة) قائمة ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : "وما أعددت لها؟) .

                                                                                                                              سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم ، لأنه سأل عن "وقت الساعة" ، وأيان مرساها . فقيل : "فيم أنت من ذكراها" . وإنما يهمك أن تهتم بأهبتها ، وتعتني بما ينفعك عند إرسائها من العقائد الحقة ، والأعمال الصالحة المرضية .

                                                                                                                              فأجاب حيث (قال) : ما أعددت لها من كثير صلاة ، ولا صوم ، ولا صدقة ، ولكن (حب الله ورسوله . قال : "فإنك مع من أحببت") .

                                                                                                                              [ ص: 88 ] وفي البخاري : "أنت مع من أحببت" . أي : ملحق بهم ، وداخل في زمرتهم . وزاد أبو نعيم الأصفهاني : "ولك ما احتسبت" . وفي روايات عند مسلم والبخاري : "المرء مع من أحب" أي : في الجنة ، بحسن نيته ، من غير زيادة عمل . لأن محبته لهم ، كطاعتهم .

                                                                                                                              "والمحبة" من أفعال القلوب . فأثيب على معتقده ، لأن النية الأصل . والعمل تابع لها .

                                                                                                                              وليس من لازم المعية : الاستواء في الدرجات .

                                                                                                                              ولفظ البخاري ؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه : (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقال : يا رسول الله ! كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ؟) أي : في العمل والفضل (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "المرء") أي رجل ، أو امرأة (مع من أحب") أي : في الجنة مع رفع الحجب حتى تحصل الرؤية والمشاهدة . وكل في درجته .

                                                                                                                              [ ص: 89 ] وعنده ، عن أبي موسى الأشعري ؛ (قال : قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : الرجل يحب القوم ، ولما يلحق بهم) .

                                                                                                                              وعند مسلم : "ولما يلحق بعملهم . قال "المرء مع من أحب" يعني : إذ لكل امرئ ما نوى .

                                                                                                                              قال في الفتح : جمع "أبو نعيم" الحافظ : طرق هذا الحديث ، في "كتاب المحبين مع المحبوبين" . وبلغ عدد الصحابة فيه نحو العشرين . وفي رواية أكثرهم : بهذا اللفظ . يعني "المرء مع من أحب" . وفي بعضها : بلفظ حديث أنس : "أنت مع من أحببت" .

                                                                                                                              (قال أنس : فما فرحنا -بعد الإسلام- فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "فإنك مع من أحببت" . قال أنس : فأنا أحب الله ، ورسوله ، وأبا بكر ،) الصديق (وعمر . فأرجو : أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم) .

                                                                                                                              قال النووي : فيه : فضل حب الله ، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والصالحين ، وأهل الخير الأحياء منهم والأموات .

                                                                                                                              ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما ، والتأدب بالآداب الشرعية .

                                                                                                                              [ ص: 90 ] قال : ولا يشترط -في الانتفاع بمحبة الصالحين- أن يعمل عملهم . إذ لو عمله ، لكان منهم ، ومثلهم .

                                                                                                                              وقد صرح (في الحديث الذي بعد هذا) بذلك ؛ فقال : "ولما يلحق بهم" .

                                                                                                                              قال أهل العربية : "لما" نفي للماضي المستمر ، فيدل على نفيه في الماضي ، وفي الحال . بخلاف "لم" ، فإنها تدل على الماضي فقط .

                                                                                                                              قال القسطلاني : "لما" أبلغ من "لم" ، فإن النفي بــ لما "أبلغ" ، لأنه يستمر إلى الحال . فيؤخذ منه هنا : أن الحكم ثابت ، ولو بعد اللحاق .

                                                                                                                              وقال في (الكواكب) : وفي كلمة "لما" إشعار بأنه : يتوقع اللحوق . يعني : هو قاصد لذلك ، ساع في تحصيل تلك المرتبة له .

                                                                                                                              وفي حديث صفوان بن عسال ، عند "أبي نعيم" : "ولم يعمل بمثل عملهم" .

                                                                                                                              قال النووي : ثم إنه لا يلزم من كونه معهم ، أن تكون منزلته وجزاؤه : مثلهم من كل وجه . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 91 ] وأقول : إني أحب الله ورسوله ، وأهل بيته ، وصحابته ، وجميع الصلحاء من أمته : لاسيما المحدثين منهم ، والمشايخ الصوفية الصافية : الذين اتبعوهم بالإحسان . فأرجو أن يغفر لي بمحبتهم ، ويجعلني الله تعالى معهم ، وإن لم أبلغ شأوهم : في الأعمال ، والأفعال ، والأحوال . ورحمة الله أوسع ، ومن عباده العاصين أقرب ، وهو أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين .




                                                                                                                              الخدمات العلمية