الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 195 ] 35 - باب بيان مشكل ما روي عن حكيم بن حزام من قوله : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائما

204 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا سعيد بن عامر الضبعي ، حدثنا سعيد ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن حكيم بن حزام قال : { بايعت رسول الله عليه السلام على أن لا أخر إلا قائما } .

فاختلف الناس في تأويل هذا الحديث ، فقال قوم : معناه على أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يكون سجوده إلا خرورا من قيامه ، لتكون صلاته لا شيء فيها مما قد روي عن { رسول الله عليه السلام أنه إذا كان من مصليها فيها شيء لم ينظر الله إلى صلاته } .

205 - وهو ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، حدثنا شعبة ، حدثني سليمان الأعمش ، قال : سمعت عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، [ ص: 196 ] عن أبي مسعود أن النبي عليه السلام قال : { لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود } .

206 - وما قد حدثنا عبد الملك بن مروان ، حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه ، إذا رفع رأسه من الركوع والسجود } .

قال : فأخبر حكيم في حديثه هذا أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تكون صلاتهم الصلاة التي علمهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا الصلاة التي يكرهها الله منهم ، ولا ينظر إليها .

وقال آخرون : الخرور هنا أريد به الخرور بالموت من حال القيام ، ومن حال القعود إلى الأرض التي يخر إليها من القيام ، ومن القعود ، فأخبر أن ما بايع عليه رسول الله عليه السلام لا يموت إلا وهو قائم عليه ، وهو الإسلام يريد بقيامه ذلك القيام الذي هو العزم كما قال الله تعالى في أهل الكتاب : ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ، أي : بالمطالبة لديه ، وطلب أخذه منه .

[ ص: 197 ] وقال آخرون : كانت مبايعته رسول الله عليه السلام على الموت ، وهي أشرف البيعات ، وهو الذي لا يجوز أن يبايع عليه غير رسول الله عليه السلام ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معصوما غير موهوم منه زوال الحال التي بها ثبتت بيعته على مبايعته ، وغيره ليس كذلك . فمما روي مما بويع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك .

207 - ما قد حدثناه علي بن معبد ، حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، حدثنا وهيب بن خالد ، حدثنا عمرو بن يحيى المازني ، عن عباد بن تميم قال : لما كان زمن الحرة جاء رجل إلى عبد الله بن زيد فقال : هاذاك ابن حنظلة يبايع الناس على الموت ، فقال : لا أبايع أحدا على هذا بعد رسول الله عليه السلام .

[ ص: 198 ] فكان ما أخبر به حكيم في حديثه مما بايع عليه رسول الله عليه السلام هذه البيعة التي هي أشرف البيعات ، والتي لا تجوز إلا لرسول الله عليه السلام ، وكل هذه الأصول التي تأول عليها حديث حكيم هذا محتملة أن يكون ما تأولت عليه هو الذي أراده حكيم ، والله أعلم ما كان أراد منها ، ومما سواها مما قد يحتمل أن يكون عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية