الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [21 - 22] ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى

                                                                                                                                                                                                                                      ألكم الذكر وله الأنثى قال الزمخشري : كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى، مع وأدهم البنات، فقيل لهم: ألكم الذكر وله الأنثى ويجوز أن يراد أن اللات والعزى ومناة إناث، [ ص: 5574 ] وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث، وتستنكفوا من أن يولدن لكم، وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله، وتسمونهن آلهة؟ انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب : قد مر مرارا الكلام في (أرأيت) وأنها بمعنى (أخبرني)، وفي كيفية دلالتها على ذلك، واختلاف النحاة في فعل الرؤية فيه، هل هو بصري؟ فتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة لبيان المستخبر عنه. وهو الذي اختاره الرضي . أو علمية، فتكون في محل المفعول الثاني، فالرابط حينئذ أنها في تأويل: أهي بنات الله؟

                                                                                                                                                                                                                                      قال السمين : وكأن أصل التركيب: ألكم الذكر، وله هن، أي: تلك الأصنام. وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      تلك إشارة إلى القسمة المفهومة من الجملة الاستفهامية إذا قسمة ضيزى أي: جائرة، غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم من الولد والند ما تكرهون لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير : والعرب تقول: (ضزته حقه) بكسر الضاد، و(ضزته) بضمها، فأنا أضيزه وأضوزه، وذلك إذا نقصته حقه ومنعته.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      قال السمين : قرأ ابن كثير : ضئزى بهمزة ساكنة، والباقون بياء مكانها. وقرأ زيد بن علي : ضيزى بفتح الضاد والياء ساكنة. فأما قراءة العامة فتحتمل أن تكون من (ضازه يضيزه) إذا ضامه وجار عليه، فمعنى (ضيزى) جائرة. وعلى هذا فتحتمل وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن تكون صفة على (فعلى) بضم الفاء، وإنما كسرت الفاء لتصح الياء [ ص: 5575 ] كبيض.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: وأي ضرورة إلى أن يقدر أصلها ضم الفاء، ولم لا قيل (فعلى) بالكسر؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب: أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات (فعلى) بكسر الفاء، وإنما ورد بضمها، نحو حبلى وأنثى وربى وما أشبهه، إلا أن غيره حكى في الصفات ذلك. حكى ثعلب : مشية حيكى، ورجل كيسى. وحكى غيره: امرأة عزهى وامرأة سعلى. وهذا لا ينقض على سيبويه ؛ لأنه يقول في (حيكى وكيسى) كقوله في (ضيزى) لتصح الياء، وأما عزهى وسعلى فالمشهور فيهما عزهاة سعلاة.

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني: أن تكون مصدرا كذكرى. قال الكسائي : يقال ضاز يضيز ضيزى، كذكر يذكر ذكرى. ويحتمل أن تكون من (ضأزه) بالهمز كقراءة ابن كثير ، إلا أنه خفف همزها، وإن لم يكن من أصول القراء كلهم إبدال مثل هذه الهمزة ياء، لكنها لغة التزمت، فقرؤوا بها. ومعنى ضأزه يضأزه بالهمزة، نقصه ظلما وجورا، وهو قريب من الأول. و (ضيزى) في قراءة ابن كثير مصدر وصف به، ولا يكون وصفا أصليا؛ لما تقدم عن سيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: لم لا قيل في (ضئزى) بالكسر والهمز، أن أصله ضيزى بالضم فكسرت الفاء، لما قيل فيها مع الياء؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب: أنه لا موجب هنا للتغيير، إذ الضم مع الهمز لا يستثقل استثقاله مع الياء الساكنة وسمع منهم: (ضؤزى) بضم الضاد مع الواو والهمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة زيد فيحتمل أن تكون مصدرا وصف به، كدعوى، وأن تكون صفة ككسرى وعطشى. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5576 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية