الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ زها ]

                                                          الزهو : الكبر والتيه والفخر والعظمة ؛ قال أبو المثلم الهذلي :


                                                          متى ما أشأ غير زهو الملو ك أجعلك رهطا على حيض



                                                          ورجل مزهو بنفسه أي : معجب . وبفلان زهو أي : كبر ؛ ولا يقال : زها . وزهي فلان فهو مزهو إذا أعجب بنفسه وتكبر . قال ابن سيده : وقد زهي على لفظ ما لم يسم فاعله ، جزم به أبو زيد وأحمد بن يحيى . وحكى ابن السكيت : زهيت وزهوت . وللعرب أحرف لا يتكلمون بها إلا على سبيل المفعول به وإن كان بمعنى الفاعل مثل زهي الرجل وعني بالأمر ونتجت الشاة والناقة وأشباهها . فإذا أمرت [ ص: 74 ] به قلت : لتزه يا رجل ، وكذلك الأمر من كل فعل لم يسم فاعله ؛ لأنك إذا أمرت منه فإنما تأمر في التحصيل غير الذي تخاطبه أن يوقع به ، وأمر الغائب لا يكون إلا باللام كقولك : ليقم زيد ، قال : وفيه لغة أخرى حكاها ابن دريد زها يزهو زهوا أي : تكبر ، ومنه قولهم : ما أزهاه ، وليس هذا من زهي لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه . قال الأحمر النحوي يهجو العتبي والفيض بن عبد الحميد :


                                                          لنا صاحب مولع بالخلاف     كثير الخطاء قليل الصواب
                                                          ألج لجاجا من الخنفساء     وأزهى إذا ما مشى من غراب



                                                          قال الجوهري : قلت لأعرابي من بني سليم ما معنى زهي الرجل ؟ قال : أعجب بنفسه . فقلت : أتقول : زهى إذا افتخر ؟ قال : أما نحن فلا نتكلم به . وقال خالد بن جنبة : زها فلان إذا أعجب بنفسه . قال ابن الأعرابي : زهاه الكبر ولا يقال : زها الرجل ولا أزهيته ولكن زهوته . وفي الحديث : من اتخذ الخيل زهاء ونواء على أهل الإسلام فهي عليه وزر . الزهاء ، بالمد ، والزهو الكبر والفخر . يقال : زهي الرجل ، فهو مزهو ، هكذا يتكلم به على سبيل المفعول وإن كان بمعنى الفاعل . وفي الحديث : إن الله لا ينظر إلى العامل المزهو . ومنه حديث عائشة - رضي الله عنها - : إن جاريتي تزهى أن تلبسه في البيت . أي : تترفع عنه ولا ترضاه ، تعني : درعا كان لها ؛ وأما ما أنشده ابن الأعرابي من قول الشاعر :


                                                          جزى الله البراقع من ثياب     عن الفتيان شرا ما بقينا
                                                          يوارين الحسان فلا نراهم     ويزهين القباح فيزدهينا



                                                          فإنما حكمه ويزهون القباح لأنه قد حكي زهوته ، فلا معنى ليزهين لأنه لم يجئ زهيته ، وهكذا أنشد ثعلب ويزهون . قال ابن سيده : وقد وهم ابن الأعرابي في الرواية ، اللهم إلا أن يكون زهيته لغة في زهوته ، قال : ولم ترو لنا عن أحد . ومن كلامهم : هي أزهى من غراب ، وفي المثل المعروف : زهو الغراب ، بالنصب ، أي : زهيت زهو الغراب . وقال ثعلب في ( النوادر ) : زهي الرجل وما أزهاه فوضعوا التعجب على صيغة المفعول ، قال : وهذا شاذ إنما يقع التعجب من صيغة فعل الفاعل ، قال : ولها نظائر قد حكاها سيبويه وقال : رجل إنزهو وامرأة إنزهوة وقوم إنزهوون ذوو زهو ، ذهبوا إلى أن الألف والنون زائدتان كزيادتهما في إنقحل ، وذلك إذا كانوا ذوي كبر . والزهو : الكذب والباطل . قال ابن أحمر :


                                                          ولا تقولن زهوا ما تخبرني     لم يترك الشيب لي زهوا ولا العور



                                                          الزهو : الكبر . والزهو : الظلم . والزهو : الاستخفاف : وزها فلانا كلامك زهوا وازدهاه فازدهى : استخفه فخف ؛ ومنه قولهم : فلان لا يزدهى بخديعة . وازدهيت فلانا أي : تهاونت به . وازدهى فلان فلانا إذا استخفه . وقال اليزيدي : ازدهاه وازدفاه إذا استخفه . وزهاه وازدهاه : استخفه وتهاون به ؛ قال عمر بن أبي ربيعة :


                                                          فلما تواقفنا وسلمت أقبلت     وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا



                                                          قال ابن بري ويروى :


                                                          ولما تنازعنا الحديث وأشرقت



                                                          قال : ومثله قول الأخطل :


                                                          يا قاتل الله وصل الغانيات إذا     أيقن أنك ممن قد زها الكبر !



                                                          وازدهاه الطرب والوعيد : استخفه . ورجل مزدهى : أخذته خفة من الزهو أو غيره . وازدهاه على الأمر : أجبره . وزها السراب الشيء يزهاه : رفعه ، بالألف لا غير . والسراب يزهى القور والحمول : كأنه يرفعها ؛ وزهت الأمواج السفينة كذلك . وزهت الريح أي : هبت ؛ قال عبيد :


                                                          ولنعم أيسار الجزور إذا زهت     ريح الشتا وتألف الجيران



                                                          وزهت الريح النبات تزهاه : هزته غب الندى ؛ وأنشد ابن بري :


                                                          فأرسلها رهوا رعالا كأنها     جراد زهته ريح نجد فأتهما



                                                          قال : رهوا هنا أي : سراعا ، والرهو من الأضداد . وزهته : ساقته . والريح تزهى النبات إذا هزته بعد غب المطر ؛ قال أبو النجم :


                                                          في أقحوان بله طل الضحى     ثم زهته ريح غيم فازدهى



                                                          قال الجوهري : وربما قالوا : زهت الريح الشجر تزهاه إذا هزته . والزهو : النبات الناضر والمنظر الحسن . يقال : زهي الشيء لعينك . والزهو : نور النبت وزهره وإشراقه يكون للعرض والجوهر . وزها النبت يزهى زهوا وزهوا وزهاء حسن . والزهو : البسر الملون ، يقال : إذا ظهرت الحمرة والصفرة في النخل فقد ظهر فيه الزهو . والزهو والزهو : البسر إذا ظهرت فيه الحمرة ، وقيل : إذا لون ، واحدته زهوة . وقال أبو حنيفة : زهو ، وهي لغة أهل الحجاز بالضم جمع زهو ، كقولك : فرس ورد وأفراس ورد ، فأجري الاسم في التكسير مجرى الصفة . وأزهى النخل وزها زهوا : تلون بحمرة وصفرة . وروى أنس بن مالك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يزهو ، قيل لأنس : وما زهوه ؟ قال : أن يحمر أو يصفر . وفي رواية ابن عمر : نهى عن بيع النخل حتى يزهي . ابن الأعرابي : زها النبت يزهو إذا نبت ثمره ، وأزهى يزهي إذا احمر أو اصفر ، وقيل : هما بمعنى الاحمرار والاصفرار ، ومنهم من أنكر يزهو ومنهم من أنكر يزهي . وزها النبت : طال واكتهل ؛ وأنشد :


                                                          أرى الحب يزهى لي سلامة كالذي     زهى الطل نورا واجهته المشارق



                                                          يريد : يزيدها حسنا في عيني . أبو الخطاب قال : لا يقال للنخل إلا [ ص: 75 ] يزهى ، وهو أن يحمر أو يصفر ، قال : ولا يقال : يزهو ، والإزهاء أن يحمر أو يصفر . وقال الأصمعي : إذا ظهرت فيه الحمرة قيل : أزهى . ابن بزرج : قالوا : زها الدنيا زينتها وإيناقها ، قال : ومثله في المعنى قولهم : ورهجها . وقال : ما لرأيك بذم ولا فريق أي : صريمة . وقالوا : طعام طيب الخلف أي : طيب آخر الطعم . وقال خالد بن جنبة : زهي لنا حمل النخل فنحسبه أكثر مما هو . الأصمعي : إذا ظهرت في النخل الحمرة قيل : أزهى يزهي ، ابن الأعرابي : زها البسر وأزهى وزهى وشقح وأشقح وأفضح لا غير . أبو زيد : زكا الزرع وزها إذا نما . خالد ابن جنبة : الزهو من البسر حين يصفر ويحمر ويحل جرمه ، قال : وجرمه للشراء والبيع ، قال : وأحسن ما يكون النخل إذ ذاك . الأزهري : جرمه خرصه للبيع . وزها بالسيف : لمع به . وزها السراج : أضاءه . وزها هو نفسه . وزهاء الشيء وزهاؤه : قدره ، يقال : هم زهاء مائة وزهاء مائة أي : قدرها . وهم قوم ذوو زهاء أي : ذوو عدد كثير ؛ وأنشد :


                                                          تقلدت إبريقا وعلقت جعبة     لتهلك حيا ذا زهاء وجامل



                                                          الإبريق : السيف ، ويقال : قوس فيها تلاميع . وزهاء الشيء : شخصه . وزهوت فلانا بكذا أزهاه أي : حزرته . وزهوته بالخشبة : ضربته بها . وكم زهاؤهم أي : قدرهم وحزرهم ؛ وأنشد للعجاج :


                                                          كأنما زهاؤهم لمن جهر



                                                          وقولهم : زهاء مائة أي : قدر مائة . وفي حديث : قيل له : كم كانوا ؟ قال : زهاء ثلاثمائة . أي : قدر ثلاثمائة ، من زهوت القوم إذا حزرتهم . وفي الحديث : إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق أولي زهاء يعجب الناس من زيهم فقد أظلت الساعة . قوله : أولي زهاء أولي عدد كثير . وزهوت الشيء إذا خرصته وعلمت ما زهاؤه . والزهاء : الشخص ، واحده كجمعه . ومنه قول بعض الرواد : مداحي سيل وزهاء ليل ، يصف نباتا أي : شخصه كشخص الليل في سواده وكثرته ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          دهما كأن الليل في زهائها



                                                          زهاؤها : شخوصها يصف نخلا يعني : أن اجتماعها يري شخوصها سودا كالليل . وزهت الإبل تزهو زهوا : شربت الماء ثم سارت بعد الورد ليلة أو أكثر ولم ترع حول الماء ، وزهوتها أنا زهوا ، يتعدى ولا يتعدى . وزهت زهوا : مرت في طلب المرعى بعد أن شربت ولم ترع حول الماء ؛ قال الشاعر :


                                                          وأنت استعرت الظبي جيدا ومقلة     من المؤلفات الزهو غير الأوارك



                                                          وزها المروح المروحة وزهاها إذا حركها ؛ وقال مزاحم يصف ذنب البعير :


                                                          كمروحة الداري ظل يكرها     بكف المزهي سكرة الريح عودها



                                                          فالمزهي : المحرك ؛ يقول : هذه المروحة بكف المزهي المحرك لسكون الريح . والزاهية من الإبل : التي لا ترعى الحمض . قال ابن الأعرابي : الإبل إبلان : إبل زاهية زالة الأحناك لا تقرب العضاه وهي الزواهي ، وإبل عاضهة ترعى العضاه وهي أحمدها وخيرها ، وأما الزاهية الزالة الأحناك فهي صاحبة الحمض ولا يشبعها دون الحمض شيء . وزهت الشاة تزهو زهاء وزهوا : أضرعت ودنا ولادها . وأزهى النخل وزها : طال ، وزها النبت : غلا وعلا ، وزها الغلام : شب ؛ هذه الثلاث عن ابن الأعرابي . ‏

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية