الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين بما يشاهده كل أحد في نفسه أنه المنعم وحده؛ أمر بذكر نعمته؛ بالاعتراف أنها منه؛ فإن الذكر يقود إلى الشكر؛ وهو قيد الموجود وصيد المعدوم المفقود؛ فقال: يا أيها الناس ؛ أي: الذين فيهم أهلية الاضطراب عامة؛ اذكروا ؛ بالقلب؛ واللسان؛ نعمت الله ؛ أي: الذي لا منعم في الحقيقة سواه؛ ولما كانت نعمه عامة غامرة من كل جانب؛ قال: عليكم ؛ أي: في دفع ما دفع من المحن؛ وصنع ما صنع من المنن؛ على ما تقدم في الفتح؛ والإمساك؛ لتشكروه؛ ولا تكفروه؛ والذي يخص أهل مكة بعدما شاركوا به الناس - إسكانهم الحرم؛ وحفظهم من جميع الأمم؛ وتشريفهم بالبيت؛ وذلك موجب لأن يكونوا أشكر الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أمر بذكر نعمته؛ أكد التعريف بأنها منه وحده؛ على وجه بين عزته وحكمته؛ فقال - منبها لمن غفل؛ وموبخا لمن جحد؛ ورادا على أهل القدر؛ الذين ادعوا أنهم يخلقون أفعالهم؛ ومنبها على نعمة الإيجاد الأول -: هل ؛ ولما كان الاستفهام بمعنى النفي؛ أكده بـ "من"؛ فقال: من خالق ؛ أي: للنعم؛ وغيرها؛ ولما كانت "من"؛ [ ص: 9 ] للتأكيد؛ فكان "خالق"؛ في موضع رفع؛ قرأ الجمهور قوله: غير الله ؛ بالرفع؛ وجره حمزة ؛ والكسائي ؛ على اللفظ؛ وعبر بالجلالة؛ إشارة إلى أنه المختص بصفات الكمال.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الجواب قطعا: "لا"؛ بل هو الخالق وحده؛ قال - منبها على نعمة الإبقاء الأول -: يرزقكم ؛ أي: وحده؛ ولما كانت كثرة الرزق؛ كما هو مشاهد؛ مع وحدة المنبع؛ أدل على العظمة؛ قال: من السماء والأرض ؛ بالمطر؛ والنبات؛ وغيرهما؛ ولما بين أنه الرزاق وحده؛ انقطع أمل كل أحد من غيره؛ حتى من نفسه؛ فحصل الإخلاص؛ فتعين أنه - سبحانه - الإله؛ وحده؛ فقال: لا إله إلا هو ؛ فتسبب الإنكار على من عبد غيره؛ ظاهرا؛ أو باطنا؛ فقال: فأنى ؛ أي: فمن أي وجه؛ وكيف تؤفكون ؛ أي: تصرفون؛ وتقلبون عن وجه السداد في التوحيد؛ بهذه الوجوه الظاهرة؛ إلى الشرك؛ الذي لا وجه له.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية