الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم أي: إنعامه عليكم إن جعلت النعمة مصدرا، أو كائنة عليكم إن جعلت اسما، أي: راعوها واحفظوها بمعرفة حقها، والاعتراف بها، وتخصيص العبادة والطاعة بموليها، ولما كانت نعم الله تعالى - مع تشعب فنونها - منحصرة في نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء نفى أن يكون في الوجود شيء غيره تعالى يصدر عنه إحدى النعمتين بطريق الاستفهام الإنكاري المنادي باستحالة أن يجاب عنه بنعم، فقال: هل من خالق غير الله ؟ أي: هل خالق مغاير له تعالى موجود، على أن (خالق) مبتدأ محذوف الخبر، زيدت عليه كلمة "من" لتأكيد العموم، و"غير الله" نعت له باعتبار محله، كما أنه نعت له في قراءة الجر باعتبار لفظه، وقرئ [ ص: 143 ] بالنصب على الاستثناء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: يرزقكم من السماء والأرض - أي: بالمطر والنبات - كلام مبتدأ على التقادير لا محل له من الإعراب، داخل من حيز النفي والإنكار، ولا مساغ لما قيل من أنه صفة أخرى لـ(خالق) مرفوعة المحل أو مجرورته; لأن معناه نفي وجود خالق موصوف بوصفي المغايرة والرازقية معا من غير تعرض لنفي وجود ما اتصف بالمغايرة فقط، ولا لما قيل من أنه الخبر للمبتدأ، ولا لما قيل من أنه مفسر لمضمر ارتفع به قوله تعالى: "من خالق" على الفاعلية، أي: (هل يرزقكم من خالق ... إلخ) لما أن معناهما نفي رازقية خالق مغاير له تعالى من غير تعرض لنفي وجوده رأسا مع أنه المراد حتما، ألا يرى إلى قوله تعالى: لا إله إلا هو فإنه استئناف مسوق لتقرير النفي المستفاد منه قصدا، وجار مجرى الجواب عما يوهمه الاستفهام صورة، فحيث كان هذا ناطقا بنفي الوجود تعين أن يكون ذلك أيضا كذلك قطعا، و"الفاء" في قوله تعالى: فأنى تؤفكون لترتيب إنكار عدولهم عن التوحيد إلى الإشراك على ما قبلها، كأنه قيل: وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية