الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4268 ) فصل : وإن هرب الجمال في بعض الطريق ، أو قبل الدخول فيها ، لم يخل من حالين ; أحدهما ، أن يهرب بجماله ، فينظر ; فإن لم يجد المستأجر حاكما ، أو وجد حاكما ولم يمكن إثبات الحال عنده ، أو أمكن الإثبات عنده ولا يحصل له ما يكتري به ما يستوفي حقه منه ، فللمستأجر فسخ الإجارة ; لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه ، فأشبه ما لو أفلس المشتري ، أو انقطع المسلم فيه عند محله . فإن فسخ العقد ، وكان الجمال قد قبض الأجر ، كان دينا في ذمته ، وإن اختار المقام على العقد ، وكانت الإجارة على عمل في الذمة ، فله ذلك ، ومتى قدر على الجمال طالبه به ، وإن كان العقد على مدة انقضت في هربه ، انفسخ العقد بذلك

                                                                                                                                            وإن أمكنه إثبات الحال عند الحاكم ، وكان العقد على موصوف غير معين ، لم ينفسخ العقد ، ويرفع الأمر إلى الحاكم ، ويثبت عنده ، فينظر الحاكم ، فإن وجد للجمال مالا اكترى به له ، وإن لم يجد له مالا ، وأمكنه أن يقترض على الجمال من بيت المال ، أو من غيره ما يكتري له به ، فعل ، فإن دفع الحاكم المال إلى المكتري ليكتري لنفسه به ، جاز في ظاهر كلام أحمد . وإن اقترض عليه من المكتري ما يكري به ، جاز ، وصار دينا في ذمة الجمال . وإن كان العقد على معين ، لم يجز إبداله ، ولا اكتراء غيره ; لأن العقد تعلق بعينه ، فيتخير المكتري بين الفسخ أو البقاء إلى أن يقدر عليه ، فيطالبه بالعمل

                                                                                                                                            . الحال الثاني إذا هرب الجمال ، وترك جماله ، فإن المكتري يرفع الأمر إلى الحاكم ، فإن وجد للجمال [ ص: 301 ] مالا ، استأجر به من يقوم مقام الجمال في الإنفاق على الجمال ، والشد عليها ، وحفظها وفعل ما يلزم الجمال فعله ، فإن لم يجد له غير الجمال ، وكان فيها فضلة عن الكراء ، باع بقدر ذلك ، وإن لم يكن فيها فضل ، أو لم يمكن بيعه ، اقترض عليه الحاكم ، كما قلنا . وإن ادان من المكتري وأنفق ، جاز

                                                                                                                                            وإن أذن للمكتري في الإنفاق من ماله بالمعروف ، ليكون دينا على الجمال ، جاز ; لأنه في موضع حاجة . وإذا رجع الجمال ، واختلفا فيما أنفق ، نظرنا ; فإن كان الحاكم قدر له ما ينفق ، قبل قوله في قدر ذلك ، وما زاد لا يحتسب له ، وإن لم يقدر له ، قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف ; لأنه أمين ، وما زاد لا يرجع به ; لأنه متطوع به . وإذا وصل المكتري ، رفع الأمر إلى الحاكم ، ففعل ما يرى الحظ فيه ، من بيع الجمال ، فيوفي عن الجمال ما لزمه من الدين للمكتري أو لغيره ، ويحفظ باقي الثمن له

                                                                                                                                            وإن رأى بيع بعضها ، وحفظ باقيها ، والإنفاق على الباقي من ثمن ما باع ، جاز . وإن لم يجد حاكما ، أو عجز عن استدانة ، فله أن ينفق عليها ، ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه ، فإن فعل ذلك متبرعا ، لم يرجع بشيء . وإن نوى الرجوع ، وأشهد على ذلك ، رجع به ; لأنه حال ضرورة . وهذا أحد الوجهين للشافعي . وإن لم يشهد ، ونوى الرجوع ، ففي الرجوع وجهان ; أحدهما ، يرجع به ; لأن ترك الجمال مع العلم بأنها لا بد لها من نفقة إذن في الإنفاق . والثاني لا يرجع به ; لأنه يثبت لنفسه حقا على غيره

                                                                                                                                            وكذلك إن لم يجد من يشهده فأنفق محتسبا بالرجوع . وقياس المذهب أن له الرجوع ; لقولنا : يرجع بما أنفق على الآبق ، وعلى عيال الغائب وزوجاته ، والدابة المرهونة . ولو قدر على استئذان الحاكم ، فأنفق من غير استئذانه ، وأشهد على ذلك ، ففي رجوعه وجهان أيضا . وحكم موت الجمال ، حكم هربه . وقال أبو بكر : مذهب أحمد ، أن الموت لا يفسخ الإجارة ، وله أن يركبها ، ولا يسرف في علفها ، ولا يقصر ، ويرجع بذلك في مال المتوفى ، فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفقه ، لم يجز أن يبيع منها شيئا ; لأن البيع إنما يجوز من المالك ، أو من نائبه ، أو ممن له ولاية عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية