الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون الدرجة هي الرتبة والمنزلة، ومنها الدرج بمعنى السلم، لأنه يعلى عليه رتبة بعد رتبة، وأكثر ما تكون كلمة الدرجة في القرآن بمعنى المنزلة الرفيعة، ومن ذلك قوله تعالى: [ ص: 1488 ] ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات وأما المنزلة غير الرفيعة فيعبر سبحانه بالدركة؛ ولذا يقول سبحانه: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ولقد قال الراغب الأصفهاني في المفردات " الدرك كالدرج، لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود، والدرك اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل درجات الجنة، ودركات النار " .

                                                          والضمير في قوله تعالى: " هم درجات " يعود على الفريقين الذين اتبعوا رضوان الله تعالى، والذين اتبعوا سخطه سبحانه، وإطلاق " درجات " على الفريقين وفيهم الأشرار من قبيل التغليب، وهو تغليب له مغزاه؛ إذ هو تغليب الخير على الشر، وتغليب رضا الله على سخطه، وتغليب الأبرار على الفجار، وإن الآية الكريمة تشير إلى معنى جليل، وهو تفاوت درجات الأبرار، وتفاوت دركات الأشرار، فالذين يسيرون في الخط الذي رسمه الله تعالى لطاعته متفاوتون في مقدار ما يقطعونه من ذلك الطريق النوراني الذي ينتهي بطاعته سبحانه وهم بذلك درجات عند الله تعالى بمقدار اتباعهم ما فيه رضوانه، وهو الأوامر والنواهي، والآخرون متفاوتون في مقدار انهوائهم في الشر بمقدار ما يخالفون أمر الله ونواهيه، وإن تلك الدرجات المتفاوتة هي نتيجة العمل، ولذا قال سبحانه: " والله بصير بما يعملون " أي أن الله سبحانه وتعالى يعلم عمل كل إنسان علم من يراه ويبصره، فلا يغيب عنه سبحانه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وإنه سبحانه سيجزي كل نفس بما كسبت، على مقتضى علمه الكامل، وإن هذه الدرجات التي يضع الناس فيها هي بمقتضى علمه سبحانه.

                                                          وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خولفت أوامره في غزوة أحد، فنزل بالمؤمنين فيها ما نزل، ولقد ناسب أن يبين الله سبحانه وتعالى للمؤمنين نعمته عليهم في إرسال الرسول الأمين، ويشير إلى الهداية التي اشتملت عليها رسالته، وأن اتباعه اتباع رضوان الله، ومخالفته اتباع لسخط الله، فقال سبحانه:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية