الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر - سبحانه - اختلاف الذوات؛ الدال على بديع صنعه؛ أتبعه تغييره المعاني؛ آية على بليغ قدرته؛ فقال - في موضع الحال من فاعل "خلقكم"؛ إشارة إلى أن الله (تعالى) صور آدم حين خلق الأرض؛ قبل أن يكون ليل؛ أو نهار؛ ثم نفخ فيه الروح آخر يوم الجمعة؛ بعد أن خلق النور يوم الأربعاء؛ فلم يأت على الإنسان حين من الدهر - وهو مقدار حركة الفلك - إلا وهو شيء مذكور -: يولج ؛ أي: يدخل؛ على سبيل الجولان؛ الليل في النهار ؛ فيصير الظلام ضياء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا الفعل في غاية الإعجاب؛ وكان لكثرة تكراره قد صار مألوفا؛ فغفل عما فيه من الدلالة على تمام القدرة؛ نبه عليه بإعادة الفعل؛ فقال: ويولج النهار في الليل ؛ فيصير ما كان ضياء ظلاما؛ وتارة يكون التوالج بقصر هذا؛ وطول هذا؛ فدل كل ذلك على أنه (تعالى) فاعل بالاختيار.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر الملوين؛ ذكر ما ينشأ عنهما؛ فقال: وسخر الشمس والقمر ؛ ثم استأنف قوله: كل ؛ أي: منهم؛ يجري ؛ ولما كان مقصود السورة تمام القدرة؛ والسياق هنا لقسر المتنافرات على ما يزيد؛ [ ص: 28 ] ولذلك ختم الآية بالملك؛ الناظر إلى القسر؛ والقهر؛ لم يصلح لهذا الموضع حرف الغاية؛ فقال: لأجل ؛ أي: لأجل أجل؛ مسمى ؛ مضروب له؛ لا يقدر أن يتعداه؛ فإذا جاء ذلك الأجل غرب؛ هكذا كل يوم؛ إلى أن يأتي الأجل الأعظم؛ فيختل جميع هذا النظام؛ بأمر الملك العلام؛ ويقيم الناس ليوم الزحام؛ وتكون الأمور العظام.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما دل - سبحانه - على أنه الفاعل المختار؛ القادر على كل ما يريد؛ بما يشاهده كل أحد في نفسه؛ وفي غيره؛ وختم بما تتكرر مشاهدته في كل يوم مرتين؛ أنتج ذلك قطعا قوله - معظما بأداة البعد؛ وميم الجمع -: ذلكم ؛ أي: العالي المقدار؛ الذي فعل هذه الأفعال كلها؛ الله ؛ أي: الذي له كل صفة كمال; ثم نبههم على أنه لا مدبر لهم سواه؛ بخبر آخر؛ بقوله: ربكم ؛ أي: الموجد لكم من العدم؛ المربي بجميع النعم؛ لا رب لكم سواه; ثم استأنف قوله: له ؛ أي: وحده؛ الملك ؛ أي: كله؛ وهو مالك كل شيء؛ والذين تدعون ؛ أي: دعاء عبادة؛ ثم بين منزلتهم بقوله: من دونه ؛ أي: من الأصنام؛ وغيرها؛ وكل شيء؛ فهو دونه - سبحانه -؛ ما يملكون ؛ أي: في هذا الحال الذي تدعونهم فيه؛ وكل حال يصح أن يقال فيه لكم هذا الكلام; وأغرق في النفي؛ فقال: من قطمير ؛ وهو؛ كما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ [ ص: 29 ] لفافة النواة؛ وهي القشرة الرقيقة؛ الملتفة عليها؛ كناية عن أدنى الأشياء؛ فكيف بما فوقه؛ وليس لهم شيء من الملك؛ فالآية من الاحتباك: ذكر الملك أولا؛ دليلا على حذفه ثانيا؛ وعدم الملك ثانيا دليلا على حذفه أولا;

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية