الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب صوم يوم الجمعة فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده

                                                                                                                                                                                                        1883 حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن محمد بن عباد قال سألت جابرا رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة قال نعم زاد غير أبي عاصم يعني أن ينفرد بصوم [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 273 ] قوله : ( باب صوم يوم الجمعة ، إذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر ) كذا في أكثر الروايات ، ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت زيادة هنا ، وهي " يعني : إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده " وهذه الزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه فإنها لم تقع في رواية النسفي عن البخاري ، ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ " يعني " ولو كان ذلك من كلامه لقال : أعني . بل كان يستغني عنها أصلا ورأسا ، وهذا التفسير لا بد من حمل إطلاق الترجمة عليه ؛ لأنه مستفاد من حديث جويرية آخر أحاديث الباب ، إذ في الباب ثلاثة أحاديث : أولها حديث جابر وهو مطلق والتقييد فيه تفسير من أحد رواته كما سنبينه ، وثانيها حديث أبي هريرة وهو ظاهر في التقييد ، وثالثها حديث جويرية وهو أظهرها في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة ) أي : ابن عثمان بن أبي طلحة الحجبي ، في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج " أخبرني عبد الحميد " أخرجه أحمد عنه ومسلم من طريقه ، وكذا أخرجه أبو قرة في السنن عن ابن جريج ، والنسائي من طريق حجاج بن محمد عنه ، وكان ابن جريج ربما رواه عن محمد بن عباد نفسه ، ولم يذكر عبد الحميد ، كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان وحفص بن غياث أخرجه النسائي من طريقهما وكذا الإسماعيلي وزاد فضيل بن سليمان ، وأخرجه النسائي أيضا من طريق النضر بن شميل كلهم عن ابن جريج وأومأ الإسماعيلي إلى أن في رواية البخاري عن أبي عاصم نظرا ، فإنه قال : [ ص: 274 ] رواه البخاري عن أبي عاصم " فذكر إسناده قال : وقد رويناه من طريق أبي عاصم كما قال يحيى ، ثم ساقه كذلك . قال : وقد رواه أبو سعد الصغاني عن ابن جريج كما ساقه البخاري عن أبي عاصم وأبو سعد ليس كهؤلاء يعني : القطان ومن تابعه .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ولم يصب الإسماعيلي في ذلك فإن رواية البخاري مستقيمة ، وقد وافقه على الزيادة الدارمي في مسنده وأبو مسلم الكجي في سننه فأخرجاه عن أبي عاصم كما قال البخاري ، وكذلك رواه أبو موسى كما أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الصيام له عنه عن أبي عاصم ، وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق محمد بن عقيل بن خويلد عن أبي عاصم كذلك ، وابن جريج كان ربما دلس ولهذا قال البيهقي : إن يحيى بن سعيد قصر في إسناده ، لكن وقع عند النسائي من طريق يحيى بن سعيد عن ابن جريج " أخبرني محمد بن عباد " فيحمل على أنه سمعه من عبد الحميد عن محمد ، ثم لقي محمدا فسمعه منه ، أو سمع من محمد واستثبت فيه من عبد الحميد فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ، ولعل السر في ذلك أنه كان عند أحدهما في المتن ما ليس عند الآخر كما سنوضحه إن شاء الله تعالى ، ولم ينفرد أبو سعد بمتابعة أبي عاصم على ذكر عبد الحميد كما يوهمه كلام الإسماعيلي ، بل تابعهما عبد الرزاق وأبو قرة وحجاج بن محمد كما قدمت ذكره ، وعبد الحميد أكثر عددا ممن رواه عنه بإسقاطه ، وعبد الحميد المذكور تابعي صغير روى عن عمته صفية بنت شيبة وهي من صغار الصحابة ووثقه ابن معين وغيره ، وليس له في البخاري سوى ثلاثة أحاديث : هذا وآخر في بدء الخلق وآخر في الأدب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن محمد بن عباد ) في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الحميد أن محمد بن عباد أخبره ، ورجال هذا الإسناد مكيون إلا شيخ البخاري فهو بصري ، والصحابي فهو مدني ، وقد أقاما بمكة زمانا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سألت جابرا ) في رواية عبد الرزاق المذكورة وكذا في رواية ابن عيينة عن عبد الحميد عند مسلم وأحمد وغيرهما " سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت " وزادوا أيضا في آخره قال : " نعم ورب هذا البيت " وفي رواية النسائي : " ورب الكعبة " وعزاها صاحب " العمدة " لمسلم فوهم . وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتأكيد الأمر ، وإضافة الربوبية إلى المخلوقات المعظمة تنويها بتعظيمها ، وفيه الاكتفاء في الجواب بـ " نعم " من غير ذكر الأمر المفسر بها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زاد غير أبي عاصم يعني : أن ينفرد بصومه ) وفي رواية الكشميهني : " أن ينفرد بصوم " والغير المشار إليه جزم البيهقي بأنه يحيى بن سعيد القطان ، وهو كما قال ، لكن لم يتعين ، فقد أخرجه النسائي بالزيادة من طريقه ومن طريق النضر بن شميل وحفص بن غياث . ولفظ يحيى : أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن ينفرد يوم الجمعة بصوم؟ قال : إي ورب الكعبة ولفظ حفص : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الجمعة مفردا ولفظ النضر : أن جابرا سئل عن صوم يوم الجمعة فقال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفرد .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية