الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فأما ما تجب الزكاة فيه من غير حول كالعشر وزكاة المعدن والركاز فلا يجوز فيه تعجيل الزكاة . وقال أبو علي بن أبي هريرة : يجوز تعجيل العشر . ( والصحيح ) أنه لا يجوز ; لأن العشر يجب بسبب [ ص: 132 ] واحد وهو إدراك الثمرة وانعقاد الحب . فإذا عجله قدمه على سببه فلم يجز . كما لو قدم زكاة المال على النصاب ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قد سبق في أول الباب أن المال الزكوي ضربان : ( أحدهما ) يتعلق بالحول وسبق شرحه . ( والثاني ) غير متعلق به وهو أنواع منها زكاة الفطر ، وسبق في بابها أنه يجوز تعجيلها في جميع رمضان ولا يجوز قبله . وفي وجه لا يجوز الليلة الأولى من رمضان ، ووجه يجوز قبل رمضان ، وأوضحناها في بابها ، ومنها زكاة المعدن والركاز فلا يجوز تقديمها على الحصول بلا خلاف ; لما ذكره المصنف ومنها زكاة الزرع تجب باشتداد الحب والثمار ببدو الصلاح ، كما سبق في بابيهما ، وليس المراد أن ذلك وقت الأداء بل هو وقت ثبوت حق الفقراء ، وإنما يجب الإخراج بعد تنقية الحب وتجفيف الثمار .

                                      قال أصحابنا : والإخراج بعد مصير الرطب تمرا والعنب زبيبا ليس تعجيلا بل واجب حينئذ ولا يجوز التعجيل قبل خروج الثمرة بلا خلاف وفيما بعده أوجه : ( الصحيح ) عند المصنف والأصحاب يجوز بعد بدو الصلاح لا قبله .

                                      ( والثاني ) يجوز قبله من حين خروج الثمرة .

                                      ( والثالث ) لا يجوز قبل الجفاف . وأما الزرع فالإخراج عنه بعد التنقية واجب وليس تعجيلا ولا يجوز التعجيل قبل التسنبل وانعقاد الحب ، وبعده فيه ثلاثة أوجه : ( الصحيح ) جوازه بعد الاشتداد والإدراك ومنعه قبله .

                                      ( والثاني ) جوازه بعد التسنبل وانعقاد الحب .

                                      ( والثالث ) لا يجوز قبل التنقية .

                                      ( فرع ) ضبط جماعة من أصحابنا في هذا الباب ما يجوز تقديمه من الحقوق المالية على وقت وجوبه وما لا يجوز ، ( فمنها ) : الزكاة والفطرة وسبق بيانهما .

                                      ( ومنها ) : كفارة اليمين والقتل والظهار ، ولها تفصيل مذكور في أبوابها .

                                      ( ومنها ) : كفارة الجماع في نهار رمضان لا يجوز تقديمها على الجماع ، هذا هو المذهب وبه قطع القاضي أبو الطيب في المجرد وهنا آخرون ، وفي وجه حكاه الرافعي وغيره أنه يجوز .

                                      ولو قال : إن شفى الله مريضي فلله علي عتق رقبة فأعتق قبل الشفاء لا يجزئه على أصح الوجهين .

                                      ( ومنها ) : لا يجوز للشيخ الهرم والحامل والمريض الذي لا يرجى برؤه تقديم الفدية على رمضان ، ويجوز [ ص: 133 ] بعد طلوع الفجر من يوم رمضان للشيخ عن ذلك اليوم ، ويجوز قبل الفجر أيضا على المذهب ، وبه قطع الدارمي ، وقال الروياني : فيه احتمالان لوالدي . قال الزيادي : وللحامل تقديم الفدية على الفطر ولا يقدم إلا فدية يوم واحد ، ولو أراد تعجيل فدية تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر ففي صحته وجهان كتعجيل كفارة الحنث بمعصيته ، ولا يجوز تقديم الأضحية قبل يوم العيد بلا خلاف .

                                      ( ومنها ) : دم التمتع والقران . فأما القران فيجوز بعد الإحرام بالحج والعمرة ولا يجوز قبلهما ، والتمتع يجوز بعد الإحرام بالحج ولا يجوز قبل الإحرام بالعمرة قطعا ، وفيما بين ذلك ثلاثة أوجه :

                                      ( الصحيح ) يجوز بعد الفراغ من العمرة وإن لم يحرم بالحج ولا يجوز قبل فراغها . ( والثاني ) لا يجوز قبل الإحرام بالحج .

                                      ( والثالث ) يجوز قبل الفراغ من العمرة ، قال القاضي أبو الطيب في المجرد : لو أحرم بالحج فأراد تقديم جزاء الصيد فإن كان بعد جرحه فالمذهب جوازه ; لوجود السبب ، وإلا فالمذهب منعه ; لعدم السبب ، قال : والإحرام ليس سببا للجزاء ، قال : وهذا ككفارة قتل الآدمي إن فعلها بعد الجرح جاز ، وإلا فلا .



                                      ( فرع ) : في مسائل تتعلق بالباب : ( إحداها ) قال إمام الحرمين وغيره : لا يحتاج مخرج الزكاة إلى لفظ أصلا بل يكفيه دفعها وهو ساكت ; لأنها في حكم دفع دين إلى مستحقه ، قال الإمام وجمهور أصحابنا الخراسانيين والمحققون من غيرهم : ولا تحتاج صدقة التطوع أيضا إلى لفظ ، قال الإمام : وبهذا عمل الناس كافة كالزكاة ، وأما الهبة والمنحة فلا بد فيهما من اللفظ ، وأما الهدية فالمذهب أنها لا تحتاج إلى لفظ ، وفيها وجه ضعيف وسنعيد إيضاح هذا كله في باب الهبة ، وفي الزكاة وجه شاذ عن ابن أبي هريرة أنه يشترط لفظه وسنوضح المسألة إن شاء الله تعالى في آخر قسم الصدقات .




                                      الخدمات العلمية