الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور

                                                                                                                                                                                                                                      10 - من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ؛ أي: العزة كلها مختصة بالله؛ عزة الدنيا؛ وعزة الآخرة؛ وكان الكافرون يتعززون بالأصنام؛ كما قال: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ؛ والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم؛ كانوا يتعززون بالمشركين؛ كما قال: الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ؛ فبين أن لا عزة إلا بالله؛ والمعنى: فليطلبها عند الله؛ فوضع قوله: "لله العزة جميعا"؛ موضعه؛ استغناء عنه به؛ لدلالته عليه؛ لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه؛ ومالكه؛ ونظيره قولك: "من أراد النصيحة فهي عند الأبرار"؛ تريد: فليطلبها عندهم؛ إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه؛ وفي الحديث: "إن ربكم يقول كل يوم: أنا العزيز؛ فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز"؛ ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح؛ بقوله: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ؛ ومعنى قوله: "إليه": إلى محل القبول والرضا؛ وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة؛ والصعود؛ أو إلى حيث لا ينفذ فيه إلا حكمه؛ و"الكلم الطيب": كلمات التوحيد؛ أي: لا إله إلا الله؛ وكان القياس: "الطيبة"؛ ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث؛ و"العمل الصالح": العبادة الخالصة؛ يعني: "والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب"؛ فالرافع "الكلم"؛ والمرفوع "العمل"؛ لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد؛ وقيل: الرافع الله؛ والمرفوع "العمل"؛ أي: "العمل الصالح يرفعه الله"؛ وفيه إشارة إلى أن العمل يتوقف على الرفع؛ والكلم الطيب يصعد بنفسه؛ وقيل: العمل الصالح يرفع العامل؛ ويشرفه؛ أي: من أراد العزة فليعمل عملا صالحا؛ فإنه هو الذي يرفع العبد؛ والذين يمكرون السيئات ؛ هي صفة لمصدر محذوف؛ أي: [ ص: 80 ] المكرات السيئات؛ لأن "مكر"؛ فعل غير متعد؛ لا يقال: "مكر فلان عمله"؛ والمراد مكر قريش به - صلى الله عليه وسلم - حين اجتمعوا في دار الندوة؛ كما قال الله (تعالى): وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ؛ الآية؛ لهم عذاب شديد ؛ في الآخرة؛ ومكر أولئك ؛ مبتدأ؛ هو ؛ فصل؛ يبور ؛ خبر؛ أي: "ومكر أولئك الذين مكروا هو خاصة يبور"؛ أي: يفسد؛ ويبطل؛ دون مكر الله بهم؛ حين أخرجهم من مكة؛ وقتلهم؛ وأثبتهم في قليب "بدر"؛ فجمع عليهم مكراتهم جميعا؛ وحقق فيهم قوله (تعالى): ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ؛ وقوله: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية