الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال هل يسمعونكم إذ تدعون ( 72 ) أو ينفعونكم أو يضرون ( 73 ) قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ( 74 ) )

يقول تعالى ذكره : قال إبراهيم لهم : هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم ؟ واختلف أهل العربية في معنى ذلك : فقال بعض نحويي البصرة معناه : هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم . فحذف الدعاء ، كما قال زهير :


القائد الخيل منكوبا دوابرها قد أحكمت حكمات القد والأبقا

[ ص: 362 ]

وقال : يريد أحكمت حكمات الأبق ، فألقى الحكمات وأقام الأبق مقامها . وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربية : الفصيح من الكلام في ذلك هو ما جاء في القرآن ، لأن العرب تقول : سمعت زيدا متكلما ، يريدون : سمعت كلام زيد ، ثم تعلم أن السمع لا يقع على الأناسي . إنما يقع على كلامهم ثم يقولون : سمعت زيدا : أي سمعت كلامه . قال : ولو لم يقدم في بيت زهير حكمات القد لم يجز أن يسبق بالأبق عليها ، لأنه لا يقال : رأيت الأبق ، وهو يريد الحكمة . وقوله : ( أو ينفعونكم أو يضرون ) يقول : أو تنفعكم هذه الأصنام ، فيرزقونكم شيئا على عبادتكموها ، أو يضرونكم فيعاقبونكم على ترككم عبادتها بأن يسلبوكم أموالكم ، أو يهلكوكم إذا هلكتم وأولادكم ( قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) . وفي الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك ، وذلك جوابهم إبراهيم عن مسألته إياهم : ( هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ) فكان جوابهم إياه : لا ما يسمعوننا إذا دعوناهم ، ولا ينفعوننا ولا يضرون ، يدل على أنهم بذلك أجابوه . قولهم : ( بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) وذلك رجوع عن مجحود ، كقول القائل : ما كان كذا بل كذا وكذا ، ومعنى قولهم : ( وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) وجدنا من قبلنا ، ولا يضرون ، يدل على أنهم بذلك أجابوه ، قولهم من آبائنا يعبدونها ويعكفون عليها لخدمتها وعبادتها ، فنحن نفعل ذلك اقتداء بهم ، واتباعا لمنهاجهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية