الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب صيام أيام التشريق وقال لي محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال أخبرني أبي كانت عائشة رضي الله عنها تصوم أيام التشريق بمنى وكان أبوها يصومها

                                                                                                                                                                                                        1894 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة سمعت عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهم قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي [ ص: 285 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 285 ] قوله : ( باب صيام أيام التشريق ) أي : الأيام التي بعد يوم النحر ، وقد اختلف في كونها يومين أو ثلاثة ، وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي : تنشر في الشمس ، وقيل : لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس ، وقيل : لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس ، وقيل : التشريق التكبير دبر كل صلاة ، وهل تلتحق بيوم النحر في ترك الصيام كما تلتحق به في النحر وغيره من أعمال الحج أو يجوز صيامها مطلقا أو للمتمتع خاصة أو له ولمن هو في معناه؟ وفي كل ذلك اختلاف للعلماء ، والراجح عند البخاري جوازها للمتمتع ، فإنه ذكر في الباب حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره ، وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا ، وعن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص المنع مطلقا ، وهو المشهور عن الشافعي وعن ابن عمر وعائشة وعبيد بن عمير في آخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي ، وهو قول مالك والشافعي في القديم ، وعن الأوزاعي وغيره يصومها أيضا المحصر والقارن ، وحجة من منع حديث نبيشة الهذلي عند مسلم مرفوعا : أيام التشريق أيام أكل وشرب وله من حديث كعب بن مالك : أيام منى أيام أكل وشرب ومنها حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق " إنها الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صومهن وأمر بفطرهن " أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لي محمد بن المثنى ) كأنه لم يصرح فيه بالتحديث لكونه موقوفا على عائشة كما عرف من عادته بالاستقراء ، ويحيى المذكور في الإسناد هو القطان وهشام هو ابن عروة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أيام منى ) في رواية المستملي : " أيام التشريق بمنى " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان أبوه يصومها ) هو كلام القطان ، والضمير لهشام بن عروة ، وفاعل يصومها هو عروة ، والضمير فيه لأيام التشريق . ووقع في رواية كريمة " وكان أبوها " وعلى هذا فالضمير لعائشة وفاعل يصومها هو أبو بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت عبد الله بن عيسى ) زاد في رواية الكشميهني ابن أبي ليلى وأبو ليلى جد أبيه فهو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور ، وكان عبد الله أسن من عمه محمد وكان يقال : إنه أفضل من عمه ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب بن عجرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن الزهري ) في رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الله بن عيسى " سمعت الزهري " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وعن سالم ) هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالا : لم يرخص ) كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة بضم أوله على البناء لغير معين ، ووقع [ ص: 286 ] في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني واللفظ له والطحاوي : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق وقال : إن يحيى بن سلام ليس بالقوي ، ولم يذكر طريق عائشة ، وأخرجه من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة ، وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع بقي الأمر على الاحتمال ، وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي : " أمرنا بكذا ونهينا عن كذا " هل له حكم الرفع؟ على أقوال ، ثالثها : إن أضافه إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فله حكم الرفع وإلا فلا ، واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ، ويلتحق به : " رخص لنا في كذا وعزم علينا أن لا نفعل كذا " كل في الحكم سواء ، فمن يقول إن له حكم الرفع فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام أنه روي بالمعنى ، لكن قال الطحاوي إن قول ابن عمر وعائشة : " لم يرخص " أخذاه من عموم قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ؛ لأن قوله : في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده ، فيدخل أيام التشريق ، فعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهماه من عموم الآية ، وقد ثبت نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره ، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنهي ، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر ، لو كان الحديث مرفوعا فكيف ، وفي كونه مرفوعا نظر؟ فعلى هذا يترجح القول بالجواز ، وإلى هذا جنح البخاري . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله في طريق عبد الله بن عيسى ( إلا لمن لم يجد الهدي ) في رواية أبي عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي : " إلا لمتمتع أو محصر " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية