الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 300 ] [ ص: 301 ] الباب السابع

                                                                                                                في محظورات الإحرام

                                                                                                                وفي ( التلقين ) : الإحرام يمنع عشرة أنواع : لبس المخيط ، وتغطية الرأس والوجه ، ولبس الخفين والشمشكين مع القدرة على النعلين ، وحلق شعر الرأس أو غيره من البدن ، والطيب وقص الأظفار ، وقتل القمل ، وقتل الصيد والوطء في الفرج ، وإنزال الماء الدافق ، وعقد النكاح ، زاد غيره : إزالة الشعث بالزينة والتنظيف ، وكلها تجبر إلا عقد النكاح والإنكاح ; لأنهما وسيلتان لم يترتب عليها الانتفاع بالمقصد المحرم ، وغيرهما انتفع فيه ، فتعين الجابر لتعين الخلل .

                                                                                                                قاعدة : يحتاج إليها في هذا الباب والباب الذي قبله وكثير من أبواب الفقه وهي : أن الجوابر مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة ، والزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة ، ولا يشترط فيمن وجب في حقه الجابر أن يكون آثما ، ولذلك شرع الجبر مع العمد والجهل والعلم والذكر والنسيان ، وعلى المجانين والصبيان ، بخلاف الزواجر ، فإن معظمها على العصاة زجرا عن المعصية ، وقد تكون على غير العصاة دفعا للمفاسد من غير إثم ، كتأديب الصبيان ورياضة البهائم إصلاحا لهم وقتال البغاة درء لتفريق الكلمة مع عدم المأثم ; لأنهم متأولون .

                                                                                                                [ ص: 302 ] وقد اختلف العلماء في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها أو وهي جوابر ; لأنها عبادات لا تصلح إلا بالنيات ؟ وليس التقرب إلى الله سبحانه وتعالى زجرا بخلاف الحدود والتعزيرات ; فإنها ليست قربات ، إذ ليست فعلا للمزجورين بل تفعلها الأئمة فيهم . ثم الجوابر تقع مع العبادات والنفوس والأعضاء ، ومنافع الأعضاء والجراح والأموال والمنافع ، فجوابر العبادات كالتيمم مع الوضوء ، وسجود السهو مع السنن وجهة السفر في الصلاة النافلة مع الكعبة ، وجهة العدو في الخوف مع الكعبة ، وصلاة الجماعة لمن صلى وحده ، وأحد النقدين مع دون السن الواجب في الزكاة أو زيادة السن في ابن اللبون مع وصف أنوثة بنت مخاض ، والإطعام لمن أخر القضاء ولم يصم للعجز ، والصيام والإطعام والنسك في حق من ارتكب محظورا من محظورات الحج ، أو الدم ، كترك الميقات أو التلبية ، أو شيء من واجبات الحج ، ماعدا الأركان ، أو جبرا لما فات من السفر ، أو العمل في التمتع والقران ، وجبر الدم ثلاثة أيام في الحج وسبعة في غيره ، وجبر الصيد في الحرم والإحرام بالمثل أو الطعام أو الصيام ، والصيد المملوك بذلك لحق الله تعالى ، وبقيمته لحق المالك وهو متلف واحد جبر ببدلين فهو نادر ولم يشرع ، كشجر الحرم الجائز ، خلافا للشافعية .

                                                                                                                واعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل بدني ، ولا تجبر الأموال إلا بالمال ، وتجبر العمرة والحج والصيد بالبدني والمالي معا ومفترقين ، والصوم يجبر بالبدني بالقضاء وبمال في الإطعام ، وأما جوابر المال فالأصل أن يؤتى بغير المال مع الإمكان فإن أتى به كامل الذات والصفات برئ من عهدته ، أو ناقص الأوصاف جبر بالقيمة ، لأن الأوصاف ليست مثلية أو ناقص القيمة لم يضمن في بعض المواطن ; لأن الفائت رغبات الناس وهي غير متقومة في الشرع ولا قائمة بالعين ، وتجبر [ ص: 303 ] الأموال المثلية بأمثالها ; لأن المثل أقرب إلى رد العين الذي هو الأصل من القيمة ، وقد خولفت هذه القاعدة في صورتين : في لبن المصراة لأجل اختلاط لبن البائع بلبن المشتري ، وعدم تمييز المقدار ، وفيمن غصب ماء في المعاطش ، قال جماعة من العلماء : يضمن بقيمته في محل عزته ، وأما المنافع : فالمحرم منها لا يجبر احتقارا لها كالمزمار ونحوه ، كما لم تجبر النجاسات من الأعيان إلا مهر المزني بها كرها ، ولم يجبر ذلك في اللواط ; لأنه لم يقوم قط في الشرع فأشبه القتال والعتاق ، وغير المحرم منها يضمن بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت الأيدي المبطلة ، ولا تضمن منافع الحر بجنسه ; لأن يده على منافعه ، فلا يتصور فواتها في يد غيره ، ومنافع الأبضاع تجبر بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه ، ولا يجبر بالفوات تحت الأيدي العادية ، والفرق : أن قليل المنافع يجبر بالقليل من الجابر وكثيرها بكثرة ، وضمان البضع بمهر المثل ، وهو يستحق بمجرد الإيلاج ، فلو جبر بالفوات لوجب ما لا يمكن ضبطه ، فضلا من القدرة عليه فإن في كل ساعة يفوت فيها من الإيلاجات شيء كثير جدا ، وهذا بعيد من قواعد الشرع ، وأما النفوس : فإنها خارجة عن هذه القوانين لمصالح تذكر في الجنايات إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية