الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سبب ]

                                                          سبب : السبب : القطع . سبه سبا : قطعه ؛ قال ذو الخرق الطهوي :


                                                          فما كان ذنب بني مالك بأن سب منهم غلام ، فسب     عراقيب كوم طوال الذرى
                                                          تخر بوائكها للركب     بأبيض ذي شطب باتر
                                                          يقط العظام ، ويبري العصب



                                                          البوائك : جمع بائكة ، وهي السمينة يريد معاقرة أبي الفرزدق غالب بن صعصعة لسحيم بن وثيل الرياحي ، لما تعاقرا بصوأر ، فعقر سحيم خمسا ثم بدا له وعقر غالب مائة . التهذيب : أراد بقوله سب أي عير بالبخل ، فسب عراقيب إبله أنفة مما عير به ، كالسيف يسمى سباب العراقيب لأنه يقطعها ، التهذيب : وسبسب إذا قطع رحمه . والتساب : التقاطع ، والسب الشتم وهو مصدر سبه يسبه سبا شتمه وأصله من ذلك ، وسببه : أكثر سبه قال :


                                                          إلا كمعرض المحسر بكره     عمدا ، يسببني على الظلم



                                                          أراد إلا معرضا ، فزاد الكاف وهذا من الاستثناء المنقطع عن الأول ومعناه : لكن معرضا ، وفي الحديث : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، السب : الشتم قيل : هذا محمول على من سب أو قاتل مسلما من غير تأويل ، وقيل : إنما قال ذلك على جهة التغليظ ، لا أنه يخرجه إلى الفسق والكفر . وفي حديث أبي هريرة : لا تمشين أمام أبيك ولا تجلس قبله ، ولا تدعه باسمه ، ولا تستسب له ، أي لا تعرضه للسب ، وتجره إليه ، بأن تسب أبا غيرك فيسب أباك مجازاة لك . قال ابن الأثير : وقد جاء مفسرا في الحديث الآخر : إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه ؛ قيل : وكيف يسب والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه ، فيسب أمه . وفي الحديث : لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم . والسبابة الإصبع التي بين الإبهام والوسطى صفة غالبة ، وهي المسبحة عند المصلين . والسبة : العار . ويقال : صار هذا الأمر سبة عليهم بالضم ، أي عارا يسب به . ويقال : بينهم أسبوبة يتسابون بها أي شيء يتشاتمون به . والتساب : التشاتم ، وتسابوا تشاتموا ، وسابه مسابة وسبابا : شاتمه . والسبيب والسب : الذي يسابك . وفي الصحاح : وسبك الذي يسابك ؛ قال عبد الرحمن بن حسان يهجو مسكينا الدارمي :


                                                          لا تسبنني ، فلست بسبي     إن سبي من الرجال الكريم



                                                          ورجل سب : كثير السباب ورجل مسب بكسر الميم كثير السباب . ورجل سبة أي يسبه الناس ؛ وسببة أي يسب الناس . وإبل مسببة أي خيار ؛ لأنه يقال لها عند الإعجاب بها : قاتلها الله ! وقول الشماخ ، يصف حمر الوحش وسمنها وجودتها :


                                                          مسببة ، قب البطون ، كأنها     رماح ، نحاها وجهة الريح راكز



                                                          يقول : من نظر إليها سبها ، وقال لها : قاتلها الله ما أجودها ! والسب : الستر . والسب : الخمار . والسب : العمامة ، والسب : شقة كتان رقيقة . والسبيبة مثله ، والجمع السبوب ، والسبائب . قال الزفيان السعدي ، يصف قفرا قطعه في الهاجرة ، وقد نسج [ ص: 100 ] السراب به سبائب ينيرها ، ويسديها ، ويجيد صفقها :


                                                          ينير أو يسدي به الخدرنق     سبائبا يجيدها ، ويصفق



                                                          والسب : الثوب الرقيق ، وجمعه أيضا سبوب قال : أبو عمرو : السبوب ، الثياب : الرقاق ، واحدها سب وهي السبائب واحدها سبيبة ؛ وأنشد :


                                                          ونسجت لوامع الحرور     سبائبا ، كسرق الحرير



                                                          وقال شمر : السبائب متاع كتان ، يجاء بها من ناحية النيل ، وهي مشهورة بالكرخ ، عند التجار ، ومنها ما يعمل بمصر ، وطولها ثمان في ست . والسبيبة : الثوب الرقيق . وفي الحديث : ليس في السبوب زكاة ، وهي الثياب الرقاق ، الواحد سب ، بالكسر ، يعني إذا كانت لغير التجارة ؛ وقيل : إنما هي السيوب ، بالياء ، وهي الركاز لأن الركاز يجب فيه الخمس ، لا الزكاة . وفي حديث صلة بن أشيم : فإذا سب فيه دوخلة رطب أي ثوب رقيق . وفي حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما : أنه سئل عن سبائب يسلف فيها . السبائب جمع سبيبة وهي شقة من الثياب أي نوع كان ؛ وقيل : هي من الكتان ؛ وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : فعمدت إلى سبيبة من هذه السبائب ، فحشتها صوفا ، ثم أتتني بها . وفي الحديث : دخلت على خالد وعليه سبيبة ؛ وقول المخبل السعدي :


                                                          ألم تعلمي يا أم عمرة ، أنني     تخاطأني ريب الزمان لأكبرا
                                                          وأشهد من عوف حلولا كثيرة     يحجون سب الزبرقان المزعفرا



                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده ، وأشهد بنصب الدال . والحلول الأحياء المجتمعة ، وهو جمع حال ، مثل شاهد وشهود . ومعنى يحجون : يطلبون الاختلاف إليه ، لينظروه ؛ وقيل : يعني عمامته وقيل : يعني استه ؛ وكان مقروفا فيما زعم قطرب . والمزعفر : الملون بالزعفران وكانت سادة العرب تصبغ عمائمها بالزعفران . والسبة الاست . وسأل النعمان بن المنذر رجلا طعن رجلا ، فقال : كيف صنعت ؟ فقال : طعنته في الكبة طعنة في السبة ، فأنفذتها من اللبة . فقلت لأبي حاتم : كيف طعنه في السبة وهو فارس ؟ فضحك وقال : انهزم فاتبعه ، فلما رهقه أكب ليأخذ بمعرفة فرسه فطعنه في سبته . وسبه يسبه سبا : طعنه في سبته . وأورد الجوهري هنا بيت ذي الخرق الطهوي :


                                                          بأن سب منهم غلام فسب



                                                          ثم قال ما هذا نصه : يعني معاقرة غالب وسحيم ، فقوله سب : شتم ، وسب : عقر . قال ابن بري : هذا البيت فسره الجوهري على غير ما قدم فيه من المعنى ، فيكون شاهدا على سب بمعنى عقر ، لا بمعنى طعنه في السبة وهو الصحيح ، لأنه يفسر بقوله في البيت الثاني :


                                                          عراقيب كوم طوال الذرى



                                                          ومما يدل على أنه عقر ، نصبه لعراقيب ، وقد تقدم ذلك مستوفى في صدر هذه الترجمة . وقال بعض نساء العرب لأبيها ، وكان مجروحا : أبت ، أقتلوك ؟ قال : نعم . إي بنية ! وسبوني ، أي طعنوه في سبته . الأزهري : السب الطبيجات ، عن ابن الأعرابي . قال الأزهري : جعل السب جمع السبة ، وهي الدبر ، ومضت سبة وسنبة من الدهر ، أي ملاوة ؛ نون سنبة بدل من باء سبة ، كإجاص وإنجاص ، لأنه ليس في الكلام " س ن ب " الكسائي : عشنا بها سبة وسنبة ، كقولك : برهة وحقبة . وقال ابن شميل : الدهر سبات أي أحوال ، حال كذا ، وحال كذا . يقال : أصابتنا سبة من برد في الشتاء ، وسبة من صحو ، وسبة من حر ، وسبة من روح إذا دام ذلك أياما . والسب والسبيبة الشقة ، وخص بعضهم به الشقة البيضاء ؛ وقول علقمة بن عبدة :


                                                          كأن إبريقهم ظبي على شرف     مفدم بسبا الكتان ملثوم



                                                          إنما أراد بسبائب فحذف ، وليس مفدم من نعت الظبي ، لأن الظبي ، لا يفدم ، إنما هو في موضع خبر المبتدإ ، كأنه قال : هو مفدم بسبا الكتان ، والسبب : كل شيء يتوصل به إلى غيره ؛ وفي نسخة : كل شيء يتوسل به إلى شيء غيره ، وقد تسبب إليه : والجمع أسباب ؛ وكل شيء يتوصل به إلى الشيء ، فهو سبب . وجعلت فلانا لي سببا إلى فلان في حاجتي ، وودجا أي وصلة وذريعة . قال الأزهري : وتسبب مال الفيء أخذ من هذا ، لأن المسبب عليه المال ، جعل سببا لوصول المال إلى من وجب له من أهل الفيء . وقوله تعالى : وتقطعت بهم الأسباب ؛ قال ابن عباس : المودة وقال مجاهد : تواصلهم في الدنيا . وقال أبو زيد : الأسباب المنازل ، وقيل : المودة ؛ قال الشاعر :


                                                          وتقطعت أسبابها ورمامها



                                                          فيه الوجهان معا : المودة ، والمنازل . والله عز وجل ، مسبب الأسباب ، ومنه التسبيب . والسبب : اعتلاق قرابة . وأسباب السماء : مراقيها ؛ قال زهير :


                                                          ومن هاب أسباب المنية يلقها     ولو رام أسباب السماء بسلم



                                                          والواحد سبب ؛ وقيل : أسباب السماء نواحيها ؛ قال الأعشى :


                                                          لئن كنت في جب ثمانين قامة     ورقيت أسباب السماء بسلم
                                                          ليستدرجنك الأمر حتى تهره     وتعلم أني لست عنك بمحرم



                                                          والمحرم : الذي لا يستبيح الدماء . وتهره : تكرهه . وقوله عز وجل : لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات ؛ قال : هي أبوابها . وارتقى في الأسباب إذا كان فاضل الدين . والسب : الحبل ، في لغة هذيل ؛ وقيل : السب الوتد ؛ وقول أبي ذؤيب يصف مشتار العسل :


                                                          تدلى عليها ، بين سب وخيطة     بجرداء مثل الوكف ، يكبو غرابها



                                                          قيل : السب الحبل ، وقيل : الوتد وتقدم في الخيطة مثل هذا [ ص: 101 ] الاختلاف ، وإنما يصف مشتار العسل ؛ أراد : أنه تدلى من رأس جبل على خلية عسل ليشتارها بحبل شده في وتد أثبته في رأس الجبل ، وهو الخيطة ، وجمع السب : أسباب . والسبب : الحبل كالسب ، والجمع كالجمع ، والسبوب : الحبال ؛ قال ساعدة :


                                                          صب اللهيف لها السبوب بطغية     تنبي العقاب كما يلط المجنب



                                                          وقوله عز وجل : من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ؛ معناه : من كان يظن أن لن ينصر الله سبحانه محمدا ، صلى الله عليه وسلم ، حتى يظهره على الدين كله ، فليمت غيظا ، وهو معنى قوله تعالى : فليمدد بسبب إلى السماء ؛ والسبب : الحبل . والسماء السقف ؛ أي فليمدد حبلا في سقفه ثم ليقطع أي ليمد الحبل حتى ينقطع ، فيموت مختنقا ، وقال أبو عبيدة : السبب كل حبل حدرته من فوق . وقال : خالد بن جنبة : السبب من الحبال القوي الطويل ، قال : ولا يدعى الحبل سببا حتى يصعد به وينحدر به . وفي الحديث : كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي ، النسب بالولادة ، والسبب بالزواج ، وهو من السبب ، وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شيء ، كقوله تعالى : وتقطعت بهم الأسباب ؛ أي الوصل والمودات وفي حديث عقبة ، رضي الله عنه : وإن كان رزقه في الأسباب أي في طرق السماء وأبوابها وفي حديث عوف بن مالك ، رضي الله عنه : أنه رأى في المنام كأن سببا دلي من السماء ، أي حبلا . وقيل : لا يسمى الحبل سببا حتى يكون طرفه معلقا بالسقف أو نحوه . والسبب من مقطعات الشعر حرف متحرك وحرف ساكن ، وهو على ضربين : سببان مقرونان ، وسببان مفروقان ؛ فالمقرونان ما توالت فيه ثلاث حركات بعدها ساكن ، نحو متفا من متفاعلن ، وعلتن من مفاعلتن ، فحركة التاء من متفا ، قد قرنت السببين ، وكذلك حركة اللام من علتن قد قرنت السببين أيضا ؛ والمفروقان هما اللذان يقوم كل واحد منهما بنفسه أي يكون حرفا متحركا وحرفا ساكنا ، ويتلوه حرف متحرك نحو مستف من مستفعلن ، ونحو عيلن ، من مفاعيلن ، وهذه الأسباب هي التي يقع فيها الزحاف على ما قد أحكمته صناعة العروض ، وذلك لأن الجزء غير معتمد عليها ، وقوله :


                                                          جبت نساء العالمين بالسبب



                                                          يجوز أن يكون الحبل ، وأن يكون الخيط ؛ قال ابن دريد : هذه امرأة قدرت عجيزتها بخيط ، وهو السبب ، ثم ألقته إلى النساء ليفعلن كما فعلت ، فغلبتهن . وقطع الله به السبب ، أي الحياة ، والسبيب من الفرس : شعر الذنب ، والعرف والناصية ؛ وفي الصحاح : السبيب شعر الناصية ، والعرف والذنب ؛ ولم يذكر الفرس وقال الرياشي : هو شعر الذنب ، وقال أبو عبيدة : هو شعر الناصية ؛ وأنشد :


                                                          بوافي السبيب ، طويل الذنب



                                                          والسبيب والسبيبة : الخصلة من الشعر . وفي حديث استسقاء عمر ، رضي الله عنه : رأيت العباس ، رضي الله عنه : وقد طال عمر وعيناه تنضمان ، وسبائبه تجول على صدره ، يعني ذوائبه ، واحدها سبيب . قال ابن الأثير : وفي كتاب الهروي : على اختلاف نسخه ، وقد طال عمره ، وإنما هو طال عمر أي كان أطول منه لأن عمر لما استسقى أخذ العباس إليه ، وقال : اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك وكان إلى جانبه ، فرآه الراوي وقد طاله أي كان أطول منه . والسبيبة : العضاه تكثر في المكان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية