الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 280 ] ( فصل ) .

( ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه ، لأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء في العرف ) ولأنه متصل بها اتصال قرار فيكون تبعا له . .

.

التالي السابق


( فصل ) .

لما ذكر ما ينعقد به البيع وما لا ينعقد ذكر ما يدخل في المبيع مما لم يسم وما لم يدخل ، واستتبع ما يخرج بالاستثناء وغير ذلك ( قوله ومن باع دارا إلخ ) في المحيط : الأصل أن كل ما كان في الدار من البناء أو متصلا بالبناء تبع لها فيدخل في بيعها كالسالم المتصل والسوار والدرج المتصلة والحجر الأسفل من الرحى ، ويدخل الحجر الأعلى عندنا استحسانا ، والمراد بحجر الرحى المبنية في الدار ، وهذا متعارف في ديارهم ، أما في ديار مصر لا تدخل رحا اليد ; لأنها بحجريها تنقل وتحول ولا تبنى فهي كالباب الموضوع ، والباب الموضوع لا يدخل بالاتفاق في بيع الدار . نعم لو ادعاه أحدهما لنفسه بأن قال هذا ملكي وضعته فإن كانت الدار في يد البائع وادعاه المشتري لنفسه فالقول قول البائع ، وإن كانت في يد المشتري فالقول قول المشتري . واستدل المصنف على دخول البناء ( بأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء بأنه متصل بها اتصال قرار ) واستشكل الأول بمسألة الحلف لا يدخل [ ص: 281 ] هذه الدار فدخلها بعدما انهدم بناؤها يحنث ، فلو كان البناء من مسمى لفظ الدار لم يحنث ، وهذا لو أبطل التعليل الأول لا يضر بالمقصود من الحكم لثبوت العلة الأخرى . ثم أجيب بأن البناء وصف فيها وهو لغو في المعينة فكأنه حلف على نفي الدخول في هذا المكان .

وتحقيقه أنه حلف لا يدخل هذه التي تسمى الآن دارا فلا يتقيد الدخول المحلوف عليه بكونها دارا وقت الدخول ، وتدخل البئر الكائنة في الدار ، وإن كان عليها بكرة تدخل ، ولا يدخل الدلو والحبل المعلقان عليها إلا إن كان قال بمرافقها ، ويدخل البستان الذي في الدار صغيرا كان أو كبيرا ، وإن كان خارج الدار لا يدخل ، وإن كان له باب في الدار قاله أبو سليمان ، وقال أبو جعفر : وإن كان أصغر من الدار ومفتحه فيها يدخل ، وإن كان أكبر أو مثلها لا يدخل ، وقيل إن صغر دخل وإلا لا . وقيل يحكم الثمن . وفي المنتقى : اشترى حائطا يدخل ما تحته من الأرض ، وكذا في التحفة من غير ذكر خلاف . وفي المحيط جعله قول محمد والحسن ، وقول أبي يوسف لا يدخل ، وأما أساسه قبل الظاهر من مذهبه أنه يدخل ; لأنه جزء الحائط حقيقة ، ويدخل في بيع الحمام القدور دون قصاعه ، وأما قدر القصارين والصباغين وأجاجين الغسالين وخوابي الزياتين وحبابهم ودنانهم وجذع القصار الذي يدق عليه المثبت كل ذلك في الأرض فلا يدخل ، وإن قال بحقوقها . قلت : ينبغي أن يدخل كما إذا قال بمرافقها ، وأما الطريق ونحوه فسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الحقوق .



[ فروع ]

باع فرسا دخل العذار تحت البيع والزمام في بيع البعير ، ولم يذكر في شيء من الكتب ما إذا باع فرسا وعليه سرج ، قيل لا يدخل إلا بالتنصيص أو يحكم الثمن ; ولو باع حمارا قال الإمام محمد بن الفضل : لا يدخل الإكاف بلا شرط ولا يستحق على البائع ، ولم يفصل بين ما إذا كان موكفا أو غير موكف في فتاوى قاضي خان وهو الظاهر ، فالإكاف فيه كالسرج في الفرس . وقال غيره : يدخل الإكاف والبرذعة تحت البيع وإن كان غير موكف وقت البيع ، وإذا دخلا بلا ذكر كان الكلام فيه ما قلنا في ثوب العبد والجارية ، ولا يدخل المقود في بيع الحمار ; لأنه ينقاد دونه ، بخلاف الفرس والبعير وليتأمل في هذا .

باع عبدا أو جارية كان على البائع من الكسوة قدر ما يواري عورته ، فإن بيعت في ثياب مثلها دخلت في البيع وللبائع أن يمسك تلك الثياب ويدفع غيرها من ثياب مثلها يستحق ذلك على البائع ، ولا يكون للثياب قسط من الثمن ، حتى لو استحق الثوب أو وجد بالثوب عيبا لا يرجع على البائع بشيء ولا يرد عليه الثوب ; ولو هلك الثياب عند المشتري أو تعيبت ثم رد الجارية بعيب ردها بجميع الثمن ; لأنه لم يملك الثوب بالبيع فلا يكون له قسط من الثمن ، وعلى هذا ما ذكر في الكافي من رجل له أرض وفيها نخل لغيره فباعهما رب الأرض بإذن الآخر بألف وقيمة كل منهما خمسمائة فالثمن بينهما نصفان لاستوائهما فيه ، فلو هلك النخل قبل القبض بآفة سماوية خير المشتري بين الترك وأخذ الأرض بكل الثمن ; لأن النخل دخل تبعا فلا يقابله شيء من الثمن ، ثم الثمن كله لرب الأرض لانتقاض البيع في حق النخل ، والثمن كله بمقابلة الأصل ، وهو له دون التبع . ولو باع أتانا لها جحش أو بقرة لها عجول اختلف ، قيل يدخلان ، وقيل لا يدخلان ، وقيل يدخل العجول دون الجحش . ولو باع عبدا له مال إن لم يذكر [ ص: 282 ] المال في البيع فماله لمولاه ، وإن باعه مع ماله بكذا ولم يبين المال فسد البيع ، وكذا لو سمى المال ، وهو دين على الناس أو بعضه فسد البيع ، وإن كان عينا جاز البيع إن لم يكن من الأثمان ، فإن كان منها وكان الثمن من جنسه بأن كان دراهم والثمن كذلك ، فإن كان الثمن أكثر جاز ، وإن كان مثله أو أقل لا يجوز ; لأنه بيع للعبد بلا ثمن ، وإن كان منها ، ولم يكن من جنسه بأن كان دراهم ومال العبد دنانير أو بالقلب جاز إذا تقابضا في المجلس ; وكذا لو قبض مال العبد ، ونقد حصته فقط من الثمن ، وإن افترقا قبل القبض بطل العقد في مال العبد . اشترى دارا فوجد في بعض جذوعها مالا ، وإن قال البائع هو لي كان له فيرد عليه ; لأنها وصلت إلى المشتري منه ، وإن قال : ليس لي كان كاللقطة . ولو قال صاحب علو وسفل لآخر بعت منك علو هذا بكذا فقبل جاز ويكون سطح السفل لصاحب السفل وللمشتري حق القرار عليه .




الخدمات العلمية