الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 242 ] 19 - باب

                                إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد

                                372 379 - حدثنا مسدد، عن خالد، ثنا سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد. قالت: وكان يصلي على الخمرة.

                                التالي السابق


                                قد سبق هذا الحديث في " أبواب الحيض " والاستدلال به على طهارة ثياب الحائض، وأنه تجوز الصلاة فيها ما لم ير فيها نجاسة.

                                ويستدل به - أيضا - على أن المصلي إذا حاذته امرأة وكانت إلى جانبه، فإن صلاته لا تفسد بذلك، إذا كانت المرأة في غير صلاة.

                                وقد نص على ذلك سفيان الثوري وأحمد وإسحاق ، ولا نعلم فيه خلافا.

                                وإنما اختلفوا فيما إذا كانا جميعا في صلاة واحدة، وليس بينهما سترة:

                                فقال مالك والشافعي وأبو ثور وأكثر أصحابنا: لا تبطل بذلك صلاة واحد منهما، مع الكراهة للرجل في مصافتها، وفي التأخير عنها.

                                وقالت طائفة: تبطل صلاة من يليها ومن خلفها بحيالها، وهو قول أبي حنيفة والثوري ، وطائفة من أصحابنا، منهم: أبو بكر عبد العزيز ، وأبو حفص البرمكي ، وزاد: أنه تبطل صلاتها - أيضا.

                                ومن أصحابنا من خص البطلان بمن يليها دون من خلفها، ولا وجه له، ونص أحمد يدل على خلافه.

                                قال حرب : قلت لأحمد : الرجل يصلي وامرأة بحياله قائمة تصلي، أو بين يديه؟ فقال: إن كانت بحياله فهو أسهل من أن تكون بين يديه. قلت: [ ص: 243 ] أيعيد الصلاة؟ قال: ما أدري. وقال: إن كانت المرأة في غير الصلاة فإنه لا بأس ; قد كانت عائشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

                                وقال إسحاق : تفسد صلاة المرأة دون الرجل ; لأنها هي المنهية عن مصافة الرجل وعن أن تتقدم بين يديه، فتختص صلاتها بالبطلان ؛ لعصيانها بالمخالفة دونه.

                                وهذا ينبغي تقييده بما إذا كان هو يصلي قبل صلاتها، ثم دخلت في الصلاة بعده.

                                وقد قال محمد بن نصر : ثنا حسان بن إبراهيم، في رجل صلى وركز بين يديه نشابة - أو لم يركز - ثم جاءت امرأة فصلت أمامه والنشابة بينهما: هل تفسد صلاته؟: فقال: قال سفيان : إن لم يركز فسدت صلاته. قلت: أرأيت إن ركزت بعدما رآها تصلي أمامه: هل تفسد صلاته؟ قال: لا.

                                وقال الأوزاعي في امرأة تصلي بصلاة زوجها: تقوم خلفه; فإن ضاق مكانهما قامت عن يمينه، وجعلا بينهما سترة، فإن كانا في بيت فصلت امرأة في ناحية وصلى زوجها في ناحية بينهما عرض البيت وطوله فلا يفسد ذلك عليه صلاته.

                                وقال سفيان : إن كانت المرأة تصلي غير صلاة الرجل لم تفسد عليه صلاته.

                                وروى أبو نعيم الفضل بن دكين : ثنا هشام بن سعد : حدثني صالح بن جبير الأردني ، عن رجل، قال: جئت عمر بن الخطاب ، فقلت: يا أمير المؤمنين، لي بيت فتكلف امرأتي فلا يسعنا إلا أن تقوم حذائي؟ قال: اجعل بينك وبينها ثوبا، ثم صل ما شئت .

                                أبنا إسرائيل: حدثنا ثوير ، قال: سألت مجاهدا ، قلت: أصلي وامرأتي [ ص: 244 ] إلى جنبي؟ قال: لا بأس.

                                وقد ضعف الشافعي المروي عن عمر في هذا، وقال: لا يعرف.

                                وخرجه البيهقي من طريق برد بن سنان ، عن عبادة بن نسي ، عن غضيف بن الحارث ، قال: سألت عمر بن الخطاب ، قلت: إنا نبدو فنكون في الأبنية، فإن خرجت قررت، وإن خرجت امرأتي قرت؟ فقال عمر : اقطع بينك وبينها ثوبا، ثم ليصل كل واحد منكما.

                                وخرجه الإسماعيلي في " مسند عمر " من رواية صفوان بن عمرو : ثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن الحارث بن معاوية الكندي ، أنه سأل عمر ، قال: ربما كنت أنا والمرأة في ضيق، فتحضر الصلاة، فإن صليت أنا وهي كانت تجاهي، وإن صلت خلفي خرجت من البناء؟ قال: استر بينك وبينها بثوب، ثم تصلي وراءك إن شئت.



                                الخدمات العلمية