الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4690 [ ص: 152 ] باب النهي عن الغيبة

                                                                                                                              وقال النووي : (باب تحريم الغيبة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص142 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : "أتدرون ما الغيبة ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : "ذكرك أخاك بما يكره" قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : "إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته . وإن لم يكن فيه ، فقد بهته" ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              أي : قلت فيه "البهتان" ، وهو الباطل .

                                                                                                                              قال النووي : "والغيبة" : ذكر الإنسان في غيبته بما يكره . وأصل "البهت" : أن يقال له الباطل في وجهه . وهما حرامان ، لكن تباح الغيبة : لغرض شرعي . وذلك لستة أسباب ؛

                                                                                                                              أحدها : "التظلم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ، ممن له ولاية ، أو قدرة على إنصافه من ظالمه . فيقول : ظلمني فلان ، أو فعل بي كذا .

                                                                                                                              الثاني : "الاستغاثة" على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب . فيقول -لمن يرجو قدرته- : فلان يعمل كذا ، فازجره عنه ، ونحو ذلك .

                                                                                                                              [ ص: 153 ] الثالث : "الاستفتاء" بأن يقول للمفتي : ظلمني فلان ، أو أبي ، أو أخي ، أو زوجي : بكذا . فهل له ذلك ؟ وما طريقي في الخلاص منه ، ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك . فهذا جائز للحاجة ، والأجود أن يقول في رجل ، أو زوج ، أو والد ، أو ولد : كان من أمره كذا . ومع ذلك : فالتعيين جائز ، لحديث "هند" وقولها : "إن أبا سفيان رجل شحيح" .

                                                                                                                              الرابع : "تحذير المسلمين من الشر" . وذلك من وجوه ؛ منها : جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين . وذلك جائز بالإجماع ، بل واجب صونا للشريعة .

                                                                                                                              ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته .

                                                                                                                              ومنها : إذا رأيت من يشتري معيبا ، أو عبدا سارقا ، أو زانيا ، أو شاربا ، أو نحو ذلك : تذكره للمشتري إذا لم يعلمه ، نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد .

                                                                                                                              ومنها : إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما ، وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله ، قاصدا لنصحه .

                                                                                                                              ومنها : أن يكون له ولاية ، لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية : ليستدل به على حاله ، فلا يغتر به ، ويلزم الاستقامة .

                                                                                                                              الخامس : "أن يكون مجاهرا بفسقه ، أو بدعته" كالخمر ، ومصادرة الناس ، وجباية المكوس ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .

                                                                                                                              [ ص: 154 ] السادس : "التعريف ، فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش ، والأعرج ، والأزرق ، والقصير ، والأعمى ، والأقطع ، ونحوها : جاز تعريفه به . ويحرم ذكره به : تنقصا . ولو أمكن التعريف بغيره : كان أولى . والله أعلم .

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي رحمه الله . وهذا الذي ذكره من الأسباب الستة مذهب جمهور العلماء . لكن تعقبه في ذلك العلامة الرباني ، "قاضي القضاة" : محمد بن علي الشوكاني ، اليماني ، في رسالة مستقلة ، حررها في (بيان تحريم الغيبة) . وذكر لكل صورة من هذه الصور المذكورة مخرجا صحيحا . وبسط القول فيه بسطا لائقا فائقا ، لا يسع المقام لذكره . وإنما أشرنا إليه لتكون على علم من التحقيق ، وتعلم أن في هذه المسألة بحثا ، سوى ما قاله الجمهور .

                                                                                                                              قال القسطلاني : "الغيبة" بكسر المعجمة . هي ذكر المسلم غير المعلن بفجوره -في غيبته- : بما يكره . ولو بغمز ، أو بكتابة ، أو إشارة .

                                                                                                                              قال : قال النووي : وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء -في التصانيف ، وغيرها- كقولهم : قال بعض من يدعي العلم ، أو بعض من ينسب إلى الصلاح ، أو نحو ذلك ، مما يفهم السامع المراد ومنه قولهم -عند ذكره- : الله يعافينا . ونحوه ، إلا أن يكون ذلك نصحا لطالب شيئا لا يعلم عيبه ، ونحو ذلك . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 155 ] وقد حررنا هذا البحث في : (هداية السائل) : مترجما عن رسالة الشوكاني ، رحمه الله . فراجعه .

                                                                                                                              وما أحسن قول بعضهم : غيبة الخلق ، إنما تكون بالغيبة عن الحق . "عافانا الله تعالى" ، وجميع المسلمين من المكاره .




                                                                                                                              الخدمات العلمية