الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4315 ) فصل : ولا تجوز إجارة الفحل للضراب . وهذا ظاهر مذهب الشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأبي ثور ، وابن المنذر . وخرج أبو الخطاب وجها في جوازه ; لأنه انتفاع مباح ، والحاجة تدعو إليه ، فجاز ، [ ص: 320 ] كإجارة الظئر للرضاع ، والبئر ليستقي منها الماء ; ولأنها منفعة تستباح بالإعارة ، فتستباح بالإجارة ، كسائر المنافع

                                                                                                                                            وهذا مذهب الحسن ، وابن سيرين . ولنا { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل } : متفق عليه ، وفي لفظ { : نهى عن ضراب الجمل } . ولأن المقصود الماء الذي يخلق منه الولد ، فيكون عقد الإجارة لاستيفاء عين غائبة ، فلم يجز ، كإجارة الغنم لأخذ لبنها ، وهذا أولى ; فإن هذا الماء محرم لا قيمة له ، فلم يجز أخذ العوض عنه ، كالميتة والدم ، وهو مجهول ، فأشبه اللبن في الضرع . فأما من أجازه ، فينبغي أن يوقع العقد على العمل ، ويقدره بمرة أو مرتين أو أكثر

                                                                                                                                            وقيل : يقع العقد على مدة . وهذا بعيد ; لأن من أراد إطراق فرسه مرة ، فقدره بمدة تزيد على قدر الفعل ، لم يمكن استيعابها به ، وإن اقتصر على مقداره ، فربما لا يحصل الفعل فيه ، ويتعذر أيضا ضبط مقدار الفعل ، فيتعين التقدير بالفعل ، إلا أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة ، كفحل يتركه في إبله ، أو تيس في غنمه ، فإن هذا إنما يكتري مدة معلومة . والمذهب أنه لا يجوز إجارته ، فإن احتاج إنسان إلى ذلك ، ولم يجد من يطرق له ، جاز له أن يبذل الكراء ، وليس للمطرق أخذه

                                                                                                                                            قال عطاء : لا يأخذ عليه شيئا ، ولا بأس أن يعطيه إذا لم يجد من يطرق له . ولأن ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها ، فجاز ، كشراء الأسير ، ورشوة الظالم ليدفع ظلمه . وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط ، فأهديت له هدية ، أو أكرم بكرامة لذلك ، فلا بأس به ; لأنه فعل معروفا ، فجازت مجازاته عليه ، كما لو أهدي هدية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية