الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4721 باب في الصدق والكذب

                                                                                                                              وقال النووي : (باب قبح الكذب ، وحسن الصدق ، وفضله) .

                                                                                                                              [ ص: 163 ] (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص160 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالصدق ! فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق حتى يكتب -عند الله- صديقا . وإياكم والكذب ! فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب حتى يكتب -عند الله- كذابا" ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عليكم بالصدق !) .

                                                                                                                              "الصدق" : يطلق على "صدق اللسان" ، وهو نقيض الكذب .

                                                                                                                              وعلى "الصدق في النية" وهو الإخلاص . فيراعي معنى الصدق في مناجاته ، ولا يكن ممن قال : "وجهت وجهي لله" وهو غافل ، كاذب .

                                                                                                                              وعلى "الصدق في العزم" ، على خير نواه . أي : يقوي عزمه : أنه إذا ولي مثلا : لا يظلم .

                                                                                                                              وعلى "الصدق في الوفاء بالعزم" . أي : حال وقوع الولاية مثلا .

                                                                                                                              وعلى "الصدق في الأعمال" . وأقله : استواء سريرته وعلانيته .

                                                                                                                              [ ص: 164 ] وعلى "الصدق في المقامات" ، كالصدق في الخوف والرجاء ، وغيرهما .

                                                                                                                              فمن اتصف بالستة : كان "صديقا" ، أو ببعضها : كان "صادقا" .

                                                                                                                              وقال الراغب : "الصدق" : مطابقة القول الضمير ، والمخبر عنه . فإن انخرم شرط : لم يكن "صدقا" ، بل يكون "كذبا" ، أو مترددا بينهما ، على اعتبارين كقول المنافق : "محمد رسول الله" . فإنه يصح أن يقال : "صدق" ، لكون المخبر عنه كذلك . ويصح أن يقال : "كذب" ، لمخالفة قوله لضميره .

                                                                                                                              (فإن الصدق يهدي إلى البر) . أي : يوصل إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم .

                                                                                                                              "والبر" : اسم جامع للخير كله . وقيل : "البر" الجنة . ويجوز أن يتناولهما جميعا .

                                                                                                                              (وإن البر يهدي إلى الجنة) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : "إن الصدق بر ، وإن البر يهدي إلى الجنة" .

                                                                                                                              (وما يزال الرجل يصدق) في السر والعلانية ، ويتكرر ذلك منه ، (ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله : صديقا) : بكسر الصاد ، وتشديد الدال . وهو من أبنية المبالغة . ونظيره : "الضحيك" .

                                                                                                                              والمراد : فرط صدقه ، حتى يصدق قوله العمل . فالتنكير : للتعظيم والتفخيم . أي : بلغ في الصدق إلى غايته ، ونهايته ، حتى دخل في زمرتهم ، واستحق ثوابهم .

                                                                                                                              [ ص: 165 ] (وإياكم والكذب ! فإن الكذب يهدي) أي : يوصل (إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار) .

                                                                                                                              قال تعالى : إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم .

                                                                                                                              "والفجور" : هو الميل عن الاستقامة . وقيل : الانبعاث في المعاصي .

                                                                                                                              (وما يزال الرجل يكذب) ، ويتكرر ذلك منه . (ويتحرى الكذب ، حتى يكتب) بضم الأولى : مبنيا للمفعول . (عند الله : كذابا) . أي : يحكم له بذلك ، ويظهره للمخلوقين من الملأ الأعلى . ويلقي ذلك في قلوب أهل الأرض ، وألسنتهم : فيستحق بذلك صفة الكذابين ، وعقابهم .

                                                                                                                              وعن ابن مسعود -مما ذكره مالك بلاغا- : "لا يزال العبد يكذب ، ويتحرى الكذب ، فينكت في قلبه : نكتة سوداء ، حتى يسود قلبه ، فيكتب عند الله من الكذابين " .

                                                                                                                              وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين . أي : في إيمانهم دون الكاذبين والمنافقين .

                                                                                                                              قال النووي : قال العلماء : هذا الحديث ، فيه حث على تحري الصدق : وهو قصده ، والاعتناء به ، وعلى التحذير من الكذب ، والتساهل [ ص: 166 ] فيه ، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به .

                                                                                                                              وكتبه الله لمبالغته : "صديقا" ، إن اعتاده . "أو كذابا" : إن اعتاده .

                                                                                                                              ومعنى "يكتب" : يستحق الوصف : بمنزلة الصديقين ، وثوابهم ، أو صفة الكذابين وعقابهم ، وإلا ؛ فقدر الله تعالى وكتابه السابق : قد سبق بكل ذلك .

                                                                                                                              قال : واعلم أن الموجود في جميع نسخ البخاري ، ومسلم : ببلادنا ، وغيرها : أنه ليس في متن الحديث ، إلا ما ذكرناه . وكذا نقله عياض : عن جميع النسخ . وكذا نقله الحميدي .

                                                                                                                              ونقل "أبو مسعود الدمشقي" ، عن كتاب مسلم ، في حديث ابن مثنى ، وابن بشار : زيادة : "وإن شر الروايا : روايا الكذب ، وإن الكذب لا يصلح منه جد ، ولا هزل . ولا يعد الرجل صبيه ، ثم يخلفه" .

                                                                                                                              وذكر أبو مسعود : أن "مسلما" روى هذه الزيادة ، في كتابه .

                                                                                                                              وذكرها أيضا : أبو بكر البرقاني ، في هذا الحديث .

                                                                                                                              قال الحميدي : وليس عندنا في كتاب مسلم .

                                                                                                                              [ ص: 167 ] قال عياض : "الروايا" جمع : "روية" . وهي ما يتروى فيه الإنسان ، ويستعد به أمام عمله وقوله .

                                                                                                                              قال : وقيل : جمع : "راوية" . أي : حامل ، وناقل له . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية