الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب المهور قال الله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم فعقد الإباحة بشريطة إيجاب بدل البضع هو مال ؛ فدل ذلك على معنيين :

أحدهما : أن بدل البضع واجب أن يكون ما يستحق به تسليم مال .

والثاني : أن يكون المهر ما يسمى أموالا .

وذلك ؛ لأن هذا خطاب لكل أحد في إباحة ما وراء ذلك أن يبتغي البضع بما يسمى أموالا ، كقوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم خطاب لكل أحد في تحريم أمهاته وبناته عليه ، وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز أن يكون المهر الشيء التافه الذي لا يسمى أموالا . واختلف الفقهاء في مقدار المهر ، فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " لا مهر أقل من عشرة دراهم " ، وهو قول الشعبي وإبراهيم في آخرين من التابعين ، وقول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد . وقال أبو سعيد الخدري والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء : " يجوز النكاح على قليل المهر وكثيره " . وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب ، فقال بعض الرواة : قيمتها ثلاثة دراهم وثلث ، وقال آخرون : النواة عشرة أو خمسة . وقال مالك : " أقل المهر ربع دينار " . وقال ابن أبي ليلى والليث والثوري والحسن بن صالح والشافعي : " يجوز بقليل المال وكثيره ولو درهم " .

قال أبو بكر : قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم يدل على أن ما لا يسمى أموالا لا يكون مهرا وأن شرطه أن يسمى أموالا ، هذا مقتضى الآية وظاهرها ، ومن كان له درهم أو [ ص: 87 ] درهمان لا يقال عنده أموال ، فلم يصح أن يكون مهرا بمقتضى الظاهر .

فإن قيل : ومن عنده عشرة دراهم لا يقال عنده أموال وقد أجزتهامهرا قيل له : كذلك يقتضي الظاهر ، لكن أجزناها بالاتفاق ، وجائز تخصيص الآية بالإجماع ؛ وأيضا قد روى حرام بن عثمان عن ابن جابر عن أبيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا مهر أقل من عشرة دراهم . وقال علي بن أبي طالب : " لا مهر أقل من عشرة دراهم " . ولا سبيل إلى معرفة هذا الضرب من المقادير التي هي حقوق الله تعالى من طريق الاجتهاد والرأي ، وإنما طريقها التوقيف أو الاتفاق ؛ وتقديره العشرة مهرا دون ما هو أقل منها يدل على أنه قاله توقيفا ، وهو نظير ما روي عن أنس في أقل الحيض أنه ثلاثة أيام وأكثره عشرة ، وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي في أكثر النفاس أنه أربعون يوما ؛ أن ذلك توقيف ؛ إذ لا يقال في مثله من طريق الرأي ؛ وكذلك ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إذا قعد في آخر صلاته مقدار التشهد فقد تمت صلاته ، فدل تقديره للفرض بمقدار التشهد أنه قاله من طريق التوقيف .

وقد احتج بعض أصحابنا لاعتبار العشرة أن البضع عضو لا تجوز استباحته إلا بمال فأشبه القطع في السرقة ، فلما كانت اليد عضوا لا تجوز استباحته إلا بمال وكان المقدار الذي يستباح به عشرة على أصلهم ، فكذلك المهر يعتبر به . وأيضا لما اتفق الجميع على أنه لا تجوز استباحة البضع بغير بدل واختلفوا فيما تجوز استباحته به من المقدار ، وجب أن يكون باقيا على الحظر في منع استباحته إلا بما قام دليل جوازه ، وهو العشرة المتفق عليها وما دونها مختلف فيه ، فالبضع باق على حكم الحظر . وأيضا لما لم تجز استباحته إلا ببدل كان الواجب أن يكون البدل الذي به يصح قيمة البضع هو مهر المثل وأن لا يحط عنه شيء إلا بدلالة ، ألا ترى أنه لو تزوجها على غير مهر لكان الواجب لها مهر مثلها ؟ وفي ذلك دليل على أن عقد النكاح يوجب مهر المثل ، فغير جائز إسقاط شيء من موجبه إلا بدلالة ، وقد قامت دلالة الإجماع على جواز إسقاط ما زاد على العشرة واختلفوا فيما دونه ، فوجب أن يكون واجبا بإيجاب العقد له ؛ إذ لم تقم الدلالة على إسقاطه .

فإن قيل : لما قال الله تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم اقتضى ذلك إيجاب نصف الفرض قليلا كان أو كثيرا . قيل له : لما ثبت بما ذكرنا أن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم كانت تسميته لبعض العشرة تسمية لها ، [ ص: 88 ] كسائر الأشياء التي لا تتبعض تكون تسميته لبعضها تسمية لجميعها ، كالطلاق والنكاح ونحوهما ، وإذا كانت العشرة لا تتبعض في العقد صارت تسميته لبعضها تسمية لجميعها ، فإذا طلقها قبل الدخول وجب لها نصف العشرة ؛ لأن العشرة هي الفرض ألا ترى أنه لو طلق امرأته نصف تطليقة كان مطلقا لها تطليقة كاملة ، ولو طلق نصفها كان مطلقا لجميعها ؟ وكذلك لو عفا عن نصف دم عمد كان عافيا عن جميعه ؟ فلما كان ذلك كذلك وجب أن تكون تسميته لخمسة تسمية للعشرة لقيام الدلالة على أن العشرة لا تتبعض في عقد النكاح ، فمتى أوجبنا بعد الطلاق خمسة كان ذلك نصف الفرض .

وأيضا فإنا نوجب نصف المفروض فلسنا مخالفين لحكم الآية ، ونوجب الزيادة إلى تمام الخمسة بدلالة أخرى ، وإنما كان يكون مذهبنا خلاف الآية لو لم نوجب نصف الفرض ، فأما إذا أوجبناه وأوجبنا زيادة عليه بدلالة أخرى فليس في ذلك مخالفة للآية . واحتج من أجاز أن يكون المهر أقل من عشرة بحديث عامر بن ربيعة : أن امرأة جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت رجلا على نعلين ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : رضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبحديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أعطى امرأة في نكاح كف دقيق أو سويق أو طعاما فقد استحل . وبحديث الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن السلماني قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنكحوا الأيامى منكم فقالوا : يا رسول الله وما العلائق بينهما ؟ قال : ما تراضى به الأهلون . وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من استحل بدرهمين فقد استحل وأن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة من ذهب وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أولم ولو بشاة ولم ينكر ذلك عليه . وبحديث أبي حازم عن سهل بن سعد في قصة المرأة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لي بالنساء من حاجة فقال له رجل : زوجنيها فقال : هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال : إزاري هذا . فقال : إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك ، إلى أن قال : التمس ولو خاتما من حديد ؛ فأجاز أن يكون المهر خاتما من حديد ، وخاتم من حديد لا يساوي عشرة .

والجواب عن إجازته النكاح على نعلين أن النعلين قد يجوز أن تساويا عشرة دراهم أو أكثر ، فلا دلالة فيه على موضع الخلاف ؛ لأنه تزوجها على نعلين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وجائز أن يكون قيمتها عشرة أو أكثر ، [ ص: 89 ] وليس بعموم لفظ في إباحة التزويج على نعلين أي نعلين كانتا ، فلا دلالة فيه على قول المخالف . وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بجواز النكاح ، وجواز النكاح لا يدل على أنه هو المهر لا غيره ؛ لأنه لو تزوجها على غير مهر لكان النكاح جائزا ؛ ولم يدل جواز النكاح على أن لا شيء لها ، كذلك جواز النكاح على نعلين قيمتهما أقل من عشرة دراهم لا دلالة فيه على أنه لا يجب غيرهما .

وأما قوله : من استحل بدرهمين أو بكف دقيق فقد استحل فإنه إخبار عن ملك البضع ، لا دلالة فيه على أنه لا يجب غيره . وكذلك حديث عبد الرحمن في تزوجه على وزن نواة من ذهب ، وعلى أنه قد روي في الخبر أن قيمتها كانت خمسة أو عشرة .

وأما قوله : العلائق ما تراضى به الأهلون فإنه محمول على ما يجوز مثله في الشرع ، ألا ترى أنهم لو تراضوا بخمر أو خنزير أو شغار لما جاز تراضيهما ؟ كذلك في حكم التسمية يكون مرتبا على ما ثبت حكمه في الشرع من تسمية العشرة .

وأما حديث سهل بن سعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتعجيل شيء لها ، وعلى ذلك كان مخرج كلامه ؛ لأنه لو أراد ما يصح به العقد من التسمية لاكتفى بإثباته في ذمته ما يجوز به العقد عن السؤال عما يعجل ، فدل ذلك على أنه لم يرد به ما يصح مهرا ألا ترى أنه لما لم يجد شيئا قال : زوجتكها بما معك من القرآن وما معه من القرآن لا يكون مهرا ؟ فدل ذلك على صحة ما ذكرنا .

واختلف الفقهاء فيمن تزوج امرأة على خدمته سنة ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : " إذا تزوج امرأة على خدمته سنة فإن كان حرا فلها مهر مثلها ، وإن كان عبدا فلها خدمته سنة " وقال محمد : " لها قيمة خدمته إن كان حرا " . وقال مالك : " إذا تزوجها على أن يؤاجرها نفسه سنة أو أكثر أو أقل ويكون ذلك صداقها فإنه يفسخ النكاح إن لم يدخل بها ، وإن دخل بها ثبت النكاح " . وقال الأوزاعي : " إذا تزوجها على أن يحجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فهو ضامن لنصف حجها من الحملان والكسوة والنفقة " . وقال الحسن بن صالح والشافعي : " النكاح جائز على خدمته إذا كان وقتا معلوما " .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : " إذا تزوجها على تعليم سورة من القرآن لم يكن ذلك مهرا ولها مهر مثلها " وهو قول مالك والليث ؛ وقال الشافعي : " يكون ذلك مهرا لها ، فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجرة التعليم إن كان قد علمها " وهي رواية المزني وحكى الربيع عنه أنه يرجع عليها بنصف مهر مثلها .

قال أبو بكر : قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم [ ص: 90 ] قد اقتضى أن يكون بدل البضع ما يستحق به تسليم مال ؛ لأن قوله : أن تبتغوا بأموالكم يحتمل معنيين :

أحدهما : تمليك المال بدلا من البضع ، والآخر : تسليمه لاستيفاء منافعه ، فدل ذلك على أن المهر الذي يملك به البضع إما أن يكون مالا أو منافع في مال يستحق بها تسليمه إليها ؛ إذ كان قوله : أن تبتغوا بأموالكم يشتمل عليهما ويقتضيهما .

ويدل على أن المهر حكمه أن يكون مالا قوله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وذلك لأن قوله : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أمر يقتضي ظاهره الإيجاب ، ودل بفحواه على أن المهر ينبغي أن يكون مالا من وجهين :

أحدهما : قوله : وآتوا معناه : أعطوا ، والإعطاء إنما يكون في الأعيان دون المنافع ؛ إذ المنافع لا يتأتى فيها الإعطاء على الحقيقة ؛ والثاني : قوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وذلك لا يكون في المنافع وإنما هو في المأكول أو فيما يمكن صرفه بعد الإعطاء إلى المأكول ؛ فدلت هذه الآية على أن المنافع لا تكون مهرا

فإن قيل : فهذا يوجب أن لا تكون خدمة العبد مهرا . قيل له : كذلك اقتضى ظاهر الآية ولولا قيام الدلالة لما جاز ، ويدل عليه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار وهو أن يزوجه أخته على أن يزوجه أخته أو يزوجه أمته على أن يزوجه أمته وليس بينهما مهر ، وهذا أصل في أن المهر لا يصح إلا أن يستحق به تسليم مال ، فلما أبطل النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون منافع البضع مهرا ؛ لأنها ليست بمال دل ذلك على أن كل ما شرط من بدل البضع مما لا يستحق به تسليم مال لا يكون مهرا ، وكذلك قال أصحابنا لو تزوجها على عفو من دم عمد أو على طلاق فلانة أن ذلك ليس بمهر مثل منافع البضع إذا جعلها مهرا ، وقد قال الشافعي : " إنه إذا سمى في الشغار لإحداهما مهرا أن النكاح جائز ولكل واحدة منهما مهر مثلها " ولم يجعل البضع مهرا في الحال التي أجاز النكاح فيها ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار ؛ فدل ذلك على معنيين :

أحدهما : أنه إذا كان الشغار في الأمتين كان المهر منافع البضع بدلا في النكاح .

والثاني : إذا كان الشغار في الحرتين ، وهو أن يقول : " أزوجك أختي على أن تزوجني أختك أو أزوجك بنتي على أن تزوجني بنتك " فيكون هذا عقدا عاريا من ذكر المهر لواحدة من المرأتين ؛ لأنه شرط المنافع لغير المنكوحة وهو الولي ، فالشغار في أحد الوجهين يكون عقد نكاح عاريا عن تسمية بدل للمنكوحة ، وفي الوجه الآخر يكون بدل البضع بضع آخر ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أن [ ص: 91 ] يكون بدلا فصار أصلا في أن بدل البضع شرطه أن يستحق به تسليم مال .

فإن قيل : إن منافع بضع الأمة حق في مال ، فهلا كانت كالتزويج على خدمة العبد قيل له : لأن خدمة العبد يستحق بها تسليم مال وهو رقبة العبد ، كالمستأجر له يستحق تسليم العبد إليه للخدمة ، وزوج الأمة لا يستحق تسليمها إليه بعقد النكاح ؛ لأن للمولى أن لا يبوئها بيتا ؛ وقوله تعالى : أن تبتغوا بأموالكم قد اقتضى أن يستحق عليه بعقد النكاح تسليم مال بدلا من البضع .

وأما التزويج على تعليم سورة من القرآن فإنه لا يصح مهرا من وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا من أنه لا يستحق به تسليم مال كخدمة الحر .

والوجه الآخر : أن تعليم القرآن فرض على الكفاية ، فكل من علم إنسانا شيئا من القرآن فإنما قام بفرض ؛ وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : بلغوا عني ولو آية فكيف يجوز أن يجعل عوضا للبضع ، ولو جاز ذلك لجاز التزويج على تعليم الإسلام ؟ وهذا باطل ؛ لأن ما أوجب الله تعالى على الإنسان فعله فهو متى فعله فرضا فلا يستحق أن يأخذ عليه شيئا من أعراض الدنيا ، ولو جاز ذلك لجاز للحكام أخذ الرشى على الحكم ، وقد جعل الله ذلك سحتا محرما .

فإن احتج محتج بحديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم قد وهبت نفسي لك فقال رجل زوجنيها ، إلى أن قال : هل معك من القرآن شيء قال : نعم ، سورة كذا ، فقال صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها بما معك من القرآن ؛ وبما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال : حدثني أبي قال : حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج الباهلي عن عسل عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة بنحو قصة سهل بن سعد في أمر المرأة ، وقال فيه : ما تحفظ من القرآن ؟ قال : سورة البقرة أو التي تليها ، قال : قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك . قيل له : معناه لما معك من القرآن ، كما قال تعالى : ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ومعناه : لما كنتم تفرحون وأيضا كون القرآن معه لا يوجب أن يكون بدلا ، والتعليم ليس له ذكر في هذا الخبر ، فعلمنا أن مراده : أني زوجتك تعظيما للقرآن ولأجل ما معك من القرآن ؛ وهو كما روى عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : خطب أبو طلحة أم سليم فقالت : إني آمنت بهذا الرجل وشهدت أنه رسول الله فإن تابعتني تزوجتك ، قال : فأنا على ما أنت عليه ؛ فتزوجته ، فكان صداقها الإسلام . ومعناه أنها تزوجته لأجل إسلامه ؛ لأن الإسلام لا يكون صداقا لأحد في [ ص: 92 ] الحقيقة . وأما حديث إبراهيم بن طهمان فإنه ضعيف السند ، وقد روى هذه القصة مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد ، فلم يذكر أنه قال : " علمها " ولم يعارض بحديث إبراهيم بن طهمان ، ولو صح هذا الحديث لم يكن فيه دلالة على أنه جعل تعليم القرآن مهرا لأنه جائز أن يكون أمره بتعليمها القرآن ويكون المهر ثابتا في ذمته ؛ إذ لم يقل : إن تعليم القرآن مهر لها .

فإن قيل : قال الله تعالى : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فجعل منافع الحر بدلا من البضع . قيل له : لم يشرط المنافع للمرأة وإنما شرطها لشعيب النبي عليه السلام وما شرط للأب لا يكون مهرا ، فالاحتجاج به باطل في مسألتنا وأيضا لو صح أنها كانت مشروطة لها وأنه إنما أضافها إلى نفسه لأنه هو المتولي للعقد ، أو لأن مال الولد منسوب إلى الوالد كقوله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك فهو منسوخ بالنهي عن الشغار .

وقوله تعالى : أن تبتغوا بأموالكم يدل على أن عتق الأمة لا يكون صداقا لها ؛ إذ كانت الآية مقتضية لكون بدل البضع ما يستحق به تسليم مال إليها ، وليس في العتق تسليم مال وإنما فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها ألا ترى أن الرق الذي كان المولى يملكه لا ينتقل إليها وإنما يتلف به ملكه ؟ فإذا لم يحصل لها به مال أو لم تستحق به تسليم مال إليها لم يكن مهرا . وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج بغير مهر ، وكان مخصوصا به دون الأمة ، قال الله تعالى : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين فكان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بجواز ملك البضع بغير بدل كما كان مخصوصا بجواز تزويج التسع دون الأمة .

قوله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا يدل أيضا على أن العتق لا يكون صداقا من وجوه :

أحدها : أنه قال : وآتوهن وذلك أمر يقتضي الإيجاب ، وإعطاء العتق لا يصح .

والثاني : قوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا والعتق لا يصح فسخه بطيب نفسها عن شيء منه .

والثالث : قوله تعالى : فكلوه هنيئا مريئا وذلك محال في العتق .

التالي السابق


الخدمات العلمية