الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4717 باب ما يجوز فيه الكذب

                                                                                                                              وقال النووي : (باب تحريم الكذب ، وبيان ما يباح منه) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص157 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن ابن شهاب ؛ أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أن أمه "أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط" ، -وكانت من المهاجرات الأول ، اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم- ، أخبرته : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهو يقول : "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، ويقول خيرا ، وينمي خيرا" .

                                                                                                                              قال ابن شهاب : ولم أسمع يرخص - في شيء ، مما يقول الناس- : كذب ، إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها) .

                                                                                                                              [ ص: 168 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 168 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها . وكانت من المهاجرات الأول ، اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ وهو يقول : "ليس الكذاب : الذي يصلح بين الناس ، ويقول خيرا ، أو ينمي خيرا") .

                                                                                                                              معناه : ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس ، بل هذا محسن .

                                                                                                                              (قال ابن شهاب : ولم أسمع يرخص -في شيء مما يقول الناس- : كذب ، إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها) .

                                                                                                                              قال عياض : لا خلاف في جواز الكذب ، في هذه الصورة .

                                                                                                                              واختلفوا في المراد بالكذب المباح ، فيها . ما هو ؟

                                                                                                                              فقالت طائفة : هو على إطلاقه . وأجازوا : قول ما لم يكن في هذه المواضيع للمصلحة . وقالوا : الكذب المذموم ما فيه مضرة .

                                                                                                                              [ ص: 169 ] واحتجوا بقول إبراهيم "عليه السلام" : بل فعله كبيرهم و إني سقيم وقوله : إنها أختي . وقول منادي يوسف : أيتها العير إنكم لسارقون .

                                                                                                                              قالوا : ولا خلاف أنه ؛ لو قصد ظالم قتل رجل ، هو عنده مختف : وجب عليه الكذب ، في أنه لا يعلم أين هو .

                                                                                                                              وقال آخرون منهم الطبري : لا يجوز الكذب في شيء أصلا . قالوا : وما جاء من الإباحة في هذا ، المراد به : التورية ، واستعمال المعاريض ، لا صريح الكذب . مثل أن يعد زوجته : أن يحسن إليها ، ويكسوها كذا . وينوي : إن قدر الله ذلك .

                                                                                                                              وحاصله : أن يأتي بكلمات محتملة ، يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه . وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا . ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك . وورى . وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه : "مات إمامكم الأعظم" . وينوي : إمامهم في الأزمان الماضية .

                                                                                                                              أو "غدا يأتينا مدد" أي : طعام ، ونحو هذا ، من المعاريض المباحة .

                                                                                                                              فكل هذا جائز . وتأولوا قصة إبراهيم ، ويوسف ، وما جاء من هذا : على المعاريض . والله أعلم .

                                                                                                                              [ ص: 170 ] وأما كذبه لزوجته ، وكذبها له فالمراد به في إظهار الود ، والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك .

                                                                                                                              فأما المخادعة في منع ما عليه ، أو عليها ، أو أخذ ما ليس له أولها فهو حرام بإجماع المسلمين .

                                                                                                                              (وفي رواية : "قالت : ولم أسمعه يرخص في شيء ، مما يقول الناس ، إلا في ثلاث") . أي : بمثل ما جعله "يونس" من قول ابن شهاب الزهري .




                                                                                                                              الخدمات العلمية