الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4682 باب النهي عن دعوى الجاهلية

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص138 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن سفيان بن عيينة ، قال : سمع عمرو جابر بن عبد الله يقول : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ في غزاة . فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال المهاجري : يا للمهاجرين !

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال دعوى الجاهلية ؟" قالوا : يا رسول الله ! كسع رجل من المهاجرين : رجلا من [ ص: 171 ] الأنصار . فقال : "دعوها فإنها منتنة" .

                                                                                                                              فسمعها عبد الله بن أبي ، فقال : قد فعلوها ؟ والله ! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .

                                                                                                                              قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"
                                                                                                                              ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر رضي الله عنه ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ في غزاة . فكسع رجل من المهاجرين : رجلا من الأنصار) أي : ضرب دبره وعجيزته : بيد ، أو رجل ، أو سيف ، وغيره .

                                                                                                                              (فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال المهاجر" : يا للمهاجرين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ما بال دعوى الجاهلية ؟" قالوا : يا رسول الله ! كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار . فقال : "دعوها فإنها منتنة") أي : قبيحة ، كريهة ، مؤذية .

                                                                                                                              (فسمعها عبد الله بن أبي ، فقال : قد فعلوها ؟ والله ! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : "دعه . لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه") .

                                                                                                                              [ ص: 172 ] فيه : ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الحلم .

                                                                                                                              وفيه : ترك بعض الأمور المختارة ، والصبر على بعض المفاسد : خوفا من أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم منه .

                                                                                                                              وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتألف الناس ، ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين ، وتتم دعوة الإسلام ، ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة ، ويرغب غيرهم في الإسلام .

                                                                                                                              وكان يعطيهم الأموال الجزيلة لذلك . ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى ، ولإظهارهم الإسلام . وقد أمر بالحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر . ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم . ويجاهدون معه : إما حمية ، وإما لطلب دنيا ، أو عصبية لمن معه من عشائرهم .

                                                                                                                              قال عياض : واختلف العلماء ؛ هل بقي حكم الإغضاء عنهم ، وترك قتالهم ؟ أو نسخ ذلك عند ظهور الإسلام ، ونزول قوله تعالى : جاهد الكفار والمنافقين ، وأنها ناسخة لما قبلها ؟

                                                                                                                              وقيل "قول ثالث" : إنه إنما كان العفو عنهم ، ما لم يظهروا نفاقهم ، فإذا أظهروه قتلوا . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية