الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 422 ] [ ص: 423 ] [ ص: 424 ] [ ص: 425 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين ( 1 ) هدى وبشرى للمؤمنين ( 2 ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ( 3 ) )

قال أبو جعفر : وقد بينا القول فيما مضى من كتابنا هذا فيما كان من حروف المعجم في فواتح السور ، فقوله : ( طس ) من ذلك . وقد روي عن ابن عباس أن قوله : ( طس ) قسم أقسمه الله هو من أسماء الله .

حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : قوله : ( طس ) قسم أقسمه الله هو من أسماء الله .

فالواجب على هذا القول أن يكون معناه : والسميع اللطيف ، إن هذه الآيات التي أنزلتها إليك يا محمد لآيات القرآن ، وآيات كتاب مبين : يقول : يبين لمن تدبره ، وفكر فيه بفهم أنه من عند الله ، أنزله إليك ، لم تتخرصه أنت ولم تتقوله ، ولا أحد سواك من خلق الله ، لأنه لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثله ، ولو تظاهر عليه الجن والإنس . وخفض قوله : ( وكتاب مبين ) عطفا به على القرآن . وقوله : ( هدى ) من صفة القرآن .

يقول : هذه آيات القرآن بيان من الله بين به طريق الحق وسبيل السلام . ( وبشرى للمؤمنين ) يقول : وبشارة لمن آمن به ، وصدق بما أنزل فيه بالفوز العظيم في المعاد .

وفي قوله : ( هدى وبشرى ) وجهان من العربية : الرفع على الابتداء بمعنى : هو هدى وبشرى . والنصب على القطع من آيات القرآن ، فيكون معناه : تلك آيات القرآن الهدى والبشرى للمؤمنين ، ثم أسقطت الألف واللام من الهدى والبشرى ، فصارا نكرة ، وهما صفة للمعرفة فنصبا .

وقوله : ( الذين يقيمون الصلاة ) يقول : هو هدى وبشرى لمن آمن بها ، وأقام الصلاة المفروضة بحدودها . وقوله : ( ويؤتون الزكاة ) يقول : ويؤدون الزكاة [ ص: 426 ] المفروضة . وقيل : معناه : ويطهرون أجسادهم من دنس المعاصي .

وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . ( وهم بالآخرة هم يوقنون ) يقول : وهم مع إقامتهم الصلاة ، وإيتائهم الزكاة الواجبة ، بالمعاد إلى الله بعد الممات يوقنون ، فيذلون في طاعة الله ، رجاء جزيل ثوابه ، وخوف عظيم عقابه ، وليسوا كالذين يكذبون بالبعث ، ولا يبالون ، أحسنوا أم أساءوا ، وأطاعوا أم عصوا ، لأنهم إن أحسنوا لم يرجوا ثوابا ، وإن أساءوا لم يخافوا عقابا .

التالي السابق


الخدمات العلمية