الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم

                                                                                                                                                                                                                                        (82) يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين، وإلى ولايتهم [ ص: 441 ] ومحبتهم، وأبعدهم من ذلك: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا.

                                                                                                                                                                                                                                        ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى وذكر تعالى لذلك عدة أسباب:

                                                                                                                                                                                                                                        منها: أن منهم قسيسين ورهبانا أي: علماء متزهدين، وعبادا في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: " أنهم لا يستكبرون " أي: ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر.

                                                                                                                                                                                                                                        (83) ومنها: أنهم " إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول " محمد صلى الله عليه وسلم، أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له، وفاضت أعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يشهدون لله بالتوحيد، ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب.

                                                                                                                                                                                                                                        وهم عدول، شهادتهم مقبولة، كما قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .

                                                                                                                                                                                                                                        (84) فكأنهم ليموا على إيمانهم ومسارعتهم فيه، فقالوا: وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين أي: وما الذي يمنعنا من الإيمان بالله، والحال أنه قد جاءنا الحق من ربنا، الذي لا يقبل الشك والريب، ونحن إذا آمنا واتبعنا الحق طمعنا أن يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين، فأي مانع يمنعنا؟ أليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للإيمان وعدم التخلف عنه.

                                                                                                                                                                                                                                        (85) قال الله تعالى: فأثابهم الله بما قالوا أي: بما تفوهوا به من الإيمان ونطقوا به من التصديق بالحق جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، [ ص: 442 ] كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم. وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                        (86) ولما ذكر ثواب المحسنين، ذكر عقاب المسيئين قال: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم لأنهم كفروا بالله، وكذبوا بآياته المبينة للحق.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية