الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                ما يشترط فيه العدالة وما لا يشترط : قال العلائي : مدار هذه القاعدة على القاعدة المشهورة في أصول الفقه " إن المصالح المعتبرة إما في محل الضرورات أو في محل الحاجات أو في محل التتمات وإما مستغنى عنها [ ص: 387 ] بالكلية إما لعدم اعتبارها أو لقيام غيرها مقامها وبيان هذا : أن اشتراط العدالة في صحة التصرف مصلحة لحصول الضبط بها عن الخيانة والكذب والتقصير ; إذ الفاسق ليس له وازع ديني ، فلا يوثق به فاشتراط العدالة في الشهادة والرواية في محل الضرورات ; لأن الضرورة تدعو إلى حفظ الشريعة في نقلها وصونها عن الكذب . وكذلك في الفتوى أيضا لصون الأحكام ; ولحفظ دماء الناس وأموالهم وأبضاعهم وأعراضهم عن الضياع ، فلو قبل فيها قول الفسقة ومن لا يوثق به لضاعت . وكذلك في الولايات على الغير كالإمامة الكبرى والقضاء ، وأمانة الحكم والوصاية ، ومباشرة الأوقاف ، والسعاية في الصدقات وما أشبه ذلك ; لما في الاعتماد على الفاسق في شيء منها من الضرر العظيم .

                وأما محل الحاجات : ففي مثل تصرفات الآباء والأجداد لأبنائهم ومنهم من طرد فيه الخلاف الآتي في النكاح والمؤذن المنصوب لاعتماد الناس على قوله في دخول الأوقات ; إذ لو كان غير موثوق به ; لحصل الخلل في إيقاع الصلوات في غير أوقاتها وأما محل التتمات : فكإمامة الصلوات ، ولذلك لم يشترط فيها العدالة بلا خلاف عندنا إذ ليس فيها توقع خلل بالنسبة إلى المصلين خلفه ; لأن توهم قلة مبالاته بالطهارة عن الحدث والخبث نادر في الفساق .

                وكذلك ولاية القريب على قريبه الميت في التجهيز والتقدم على الصلاة ، لأن فرط شفقة القريب ، وكثرة حزنه تبعثه على الاحتياط في ذلك ، وقوة التضرع في الدعاء له ، فالعدالة فيه من التتمات وأما المستغنى عنه بالكلية ; لعدم الحاجة إليه ، فكالإقرار لأن طبع الإنسان يزعه عن أن يقر على نفسه بما يقتضي قتلا ، أو قطعا ، أو تغريم مال ، فقبل من البر والفاجر اكتفاء بالوازع الطبيعي .

                ولهذا يقبل إقرار العبد بما يقتضي القصاص دون ما يوجب المال ; لأن طبعه يزعه عن إضرار نفسه بخلاف إضرار سيده والذي يقوم غيره مقامه : التوكيل والإيداع من المالك ، فإن نظره لنفسه قائم مقام نظر الشرع له في الاحتياط ، فيجوز له أن يوكل الفاسق ويودع عنده لأن طبع المالك يزعه عن إتلاف ماله بالتفريط . [ ص: 388 ]

                ولذلك لو كان موكلا أو مودعا في مال الغير ، وجب عليه الاحتياط بالوازع الشرعي . وهذه فروع اختلف فيها :

                الأول : ولاية النكاح وفيها : ثلاثة عشر طريقا أشهرها : في اشتراط العدالة . فيها قولان ، أصحهما : نعم ، فلا يلي الفاسق كسائر الولايات ; ولأنه لا يؤمن أن يضعها عند فاسق مثله .

                والثاني : لا ; لأن الأولين لم يمنعوا الفسقة من تزويج بناتهم .

                الطريق الثاني : يلي قطعا .

                الثالث : لا يلي قطعا .

                الرابع : يلي المجبر دون غيره ; لأنه أكمل شفقة .

                الخامس : عكسه لأن المجبر يستقل بالنكاح ، فربما وضعها عند فاسق ، بخلاف غيره فتنظر هي لنفسها ، وتأذن .

                السادس : يلي ، إن فسق بغير شرب الخمر بخلاف ما إذا كان به لاختلال نظره .

                السابع : يلي المستتر دون المعلن . الثامن : يلي الغيور ، دون غيره . التاسع : يلي إن لم يحجر عليه .

                العاشر : يلي إن كان الإمام الأعظم قطعا وإلا فقولان .

                الحادي عشر : يلي - إن كان الإمام - نساء المسلمين ، لا مولياته .

                الثاني عشر : يلي ، إن كان بحيث لو سلبناه الولاية انتقلت إلى حاكم مثله ، وإلا فلا قاله الغزالي ، واستحسنه النووي .

                الثالث عشر : قاله في البحر - يلي ابنته ، ولا يقبل النكاح لابنه الفرع الثاني : الاجتهاد : قيل العدالة ركن فيه والأصح : لا ، بل هي شرط لقبول إخباره حتى يجب عليه الأخذ بقول نفسه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية