الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[تفسير حديث جبريل في الإيمان : ]

قال أبو عبد الله : اختلف الناس في تفسير حديث جبريل - عليه السلام - هذا ، فقال طائفة من أصحابنا : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الإيمان أن تؤمن بالله " ، وما ذكر معه ، كلام جامع مختصر ، له غور ، وقد أوهمت المرجئة في تفسيره ، فتأولوه على غير تأويله ، قلة معرفة منهم بلسان العرب ، وغور كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذي قد أعطي جوامع الكلم وفواتحه ، واختصر له الحديث اختصارا - صلى الله عليه وسلم - .

أما قوله : " الإيمان أن تؤمن بالله " أن توحده وتصدق [ ص: 393 ] به بالقلب واللسان ، وتخضع له ولأمره ، بإعطاء العزم للأداء لما أمر ، مجانبا للاستنكاب ، والاستكبار ، والمعاندة ، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه ، واجتنبت مساخطه .

وأما قوله : " وملائكته " : فأن تؤمن بمن سمى الله لك منهم في كتابه ، وتؤمن بأن لله ملائكة سواهم ، لا تعرف أساميهم ، وعددهم ، إلا الذي خلقهم .

وأما قوله : " وكتبه " : فأن تؤمن بما سمى الله من كتبه في كتابه ، من التوراة ، والإنجيل ، والزبور خاصة ، وتؤمن بأن لله سوى ذلك كتبا ، أنزلها على أنبيائه ، لا يعرف أسماءها ، وعددها إلا الذي أنزلها ، وتؤمن بالفرقان ، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الكتب ، إيمانك بغيره من الكتب ؛ إقرارك به بالقلب واللسان ، وإيمانك بالفرقان ؛ إقرارك به ، واتباعك بما فيه .

وأما قوله : " ورسله " : فأن تؤمن بمن سمى الله في كتابه من رسله ، وتؤمن بأن لله سواهم رسلا وأنبياء ، لا يعلم أسماءهم إلا الذي أرسلهم ، وتؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الرسل ، إيمانك بسائر الرسل ، إقرارك بهم ، وإيمانك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، إقرارك به ، وتصديقك إياه ، واتباعك ما جاء به ، فإذا اتبعت ما جاء به ، أديت الفرائض ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ووقفت عند الشبهات ، وسارعت في الخيرات .

وأما قوله : " واليوم الآخر " : فأن تؤمن بالبعث بعد الموت ، [ ص: 394 ] والحساب والميزان ، والثواب والعقاب ، والجنة والنار ، وبكل ما وصف الله به يوم القيامة .

وأما قوله : " وتؤمن بالقدر كله ، خيره وشره " : فأن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك ، لم يكن ليصيبك ، ولا تقل : لولا كذا وكذا ، لكان كذا وكذا ، ولو كان كذا وكذا ، لم يكن كذا ، وكذا ، قال : فهذا هو الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر .

واستدلوا على أن الإيمان هو ما ذكروه بالآيات التي تلوناها عند ذكر تسمية الله الصلاة ، وسائر الطاعات إيمانا وإسلاما ودينا ،

واستدلوا أيضا بما قص الله - جل وعز - من نبأ إبليس ؛ حين عصى ربه في سجدة ؛ أمر أن يسجدها لآدم فأباها ، ثم قال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ، قال الله تبارك وتعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) ، فهل جحد إبليس ربه ؟ وهو يقول : ( رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) ، ويقول : ( رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) ، إيمانا منه [ ص: 395 ] بالبعث ، وإيمانا بنفاذ قدرته ، في إنظاره إياه إلى يوم البعث ، أو هل جحد أحدا من أنبيائه ، وأنكر شيئا من سلطانه ، وهو يحلف بعزته ؟ ! وهل كان كفره ، إلا بترك سجدة واحدة أمره بها ، فأباها!!

واستدلوا أيضا بما قص الله علينا من نبأ ابني آدم : ( إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ) ، إلى قوله : ( فقتله فأصبح من الخاسرين ) ، إلا بركوبه ما حرم عليه ، من قتل أخيه ، قالوا : وهل جحد ربه ، وكيف يجحده ، وهو يقرب له القربان ؟

وقالوا : قال الله - تبارك وتعالى - : ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم ) ، إلى قوله : ( جزاء بما كانوا يعملون ) ، ولم يقل : إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها ، أقروا بها فقط ، وقال الله - عز وجل - : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية