الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      البيع على البرنامج قلت : أرأيت إن اشتريت عدلا زطيا على صفة برنامج ، وفي العدل خمسون ثوبا بمائة دينار صفقة واحدة فأصاب فيه أحدا وخمسين ثوبا ؟ قال : قال مالك : يرد ثوبا منها قلت : كيف يرد الثوب منها أيعطي خيرها أم شرها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ، ولكن يعطي جزءا من أحد وخمسين جزءا من الثياب .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان الجزء من أحد وخمسين جزءا لا يعتدل أن يكون ثوبا كاملا يكون أكثر من ثوب أو أقل من ثوب كيف يصنع ؟ قال : قال لي مالك منذ حين : أرى أن يرد جزءا من أحد وخمسين جزءا ثم أعدته عليه فسألته عنه كيف يرد جزءا من أحد وخمسين ثوبا قال : يرد ثوبا كأنه عيب وجده فيه فيرده به .

                                                                                                                                                                                      قال : فقلت لمالك : أفلا تقسمها على الأجزاء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا وانتهرني ثم قال : إنما يرد ثوبا كأنه عيب وجده في ثوب فرده قال : فلم أر فيما قال لي مالك أخيرا أنه يجعله معه شريكا . [ ص: 259 ] قال ابن القاسم : وأنا أرى قوله الأول أعجب إلي .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو باعه عدلا زطيا بصفة على أن فيه خمسين ثوبا صفقة واحدة بمائة دينار فأصاب فيه تسعة وأربعين ثوبا ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : يقسم الثمن على الخمسين ثوبا فيوضع عن المشتري جزء من ذلك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أصاب فيه أربعين ثوبا أو نحو ذلك أو كان في العدل أكثر مما سمى من الثياب أيلزم ذلك البيع المشتري أم لا ؟ قال : أرى أن يلزمه البيع بحساب ما وصفت إذا كان في العدل أكثر مما سمى من الثياب ، فإن كان في العدل النقصان الكثير لم يلزم المشتري أخذها ورد البيع فيما بينهما ، وإنما قلت : لك هذا للذي قال مالك من كيل الطعام وقد فسرت ذلك لك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اشتريت من رجل مائة ثوب في عدل برنامج موصوف أو على صفة موصوفة كل ثوب بعشرة دراهم على أن فيه من الخز كذا وكذا ومن الفسطاطي كذا وكذا ومن المروي كذا وكذا فأصبت في العدل تسعة وتسعين ثوبا وكان النقصان من الخز قال : أرى أن تحسب قيمة الثياب كلها فينظر كم قيمة الخز منها فإن كان الربع أو الثلث من الثمن وعدة الخز عشرة وضع عنه عشر ربع الثمن أو عشر ثلث الثمن لأن القيمة تكون أكثر من الثمن أو أقل وإنما يقسم الثمن على الأجزاء كلها ثم ينظر إلى ذلك الجزء الذي وجد فيه ذلك النقصان ، ثم ينظر إلى ذلك النقصان منه فإن كان جزءا وضع عنه من الثمن قدر الذي أصابه من ذلك الجزء من الثمن .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب ، عن الليث ، عن يحيى بن سعيد أنه قال في الرجل : يقدم بالبز من العراق فيأتي صاحب المدينة بتسمية متاعه وصفته فيبتاعه الناس منه ثم يبيعونه بعضهم من بعض فإن تم بيع الأول ووجد على ما قال فقد جازت بيوعهم كلها بينهم وإن هلك البز فضمانه على صاحبه سحنون . وقد بينا قول من يجوز البيع على الصفة في الشيء بعينه وحديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام في الملامسة حين فسر لا ينظرون إليه ولا يخبرون عنه ، فهذا دليل على أن الخبر جائز وهو خارج مما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول مالك في الرجل يقدم ، له أصناف من البز فيحضره السوام ويقرأ عليهم برنامجه ويقول في عدل : كذا وكذا ملحفة بصرية ، وكذا وكذا رايطة سابرية وذرعها كذا وكذا فيسمي أصناف تلك البزوز لهم بأجناسه وذرعه وصفاته ثم يقول : اشتروا على هذا فيشترون ويخرجون الأعدال على ذلك فيفتحونها فيشتغلون ويبرمون أن ذلك لازم لهم إذا كان موافقا للبرنامج الذي باعه عليه . [ ص: 260 ] قال : قال مالك : فهذا الذي لم يزل الناس لم يجيزونه بينهم إذا لم يكن المتاع مخالفا لصفة البرنامج فكفى بقول مالك حجة فكيف وقد أخبر أنه فعل الناس مع ما ذكر من الآثار في ذلك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية