الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سبل ]

                                                          سبل : السبيل : الطريق وما وضح منه ، يذكر ويؤنث . وسبيل الله طريق الهدى الذي دعا إليه . وفي التنزيل العزيز : وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ؛ فذكر ؛ وفيه : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ، فأنث ، وقوله تعالى : وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ؛ فسره ثعلب فقال : على الله أن يقصد السبيل للمسلمين ، ومنها جائر أي ومن الطرق جائر على غير السبيل ، فينبغي أن يكون السبيل هنا اسم الجنس لا سبيلا [ ص: 117 ] واحدا بعينه ، لأنه قد قال : ومنها جائر أي ومنها سبيل جائر . وفي حديث سمرة : فإذا الأرض عند أسبله أي طرقه ، وهو جمع قلة للسبيل إذا أنثت ، وإذا ذكرت فجمعها أسبلة . وقوله عز وجل : وأنفقوا في سبيل الله ؛ أي في الجهاد وكل ما أمر الله به من الخير فهو من سبيل الله أي من الطرق إلى الله واستعمل السبيل في الجهاد أكثر لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين ، وقوله : ( في سبيل الله ) ؛ أريد به الذي يريد الغزو ولا يجد ما يبلغه مغزاه ، فيعطى من سهمه ، وكل سبيل أريد به الله - عز وجل - وهو بر فهو داخل في سبيل الله ، وإذا حبس الرجل عقدة له وسبل ثمرها أو غلتها فإنه يسلك بما سبل سبيل الخير يعطى منه ابن السبيل والفقير والمجاهد وغيرهم . وسبل ضيعته : جعلها في سبيل الله . وفي حديث وقف عمر : احبس أصلها وسبل ثمرتها ؛ أي اجعلها وقفا وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليه ، وسبلت الشيء إذا أبحته كأنك جعلت إليه طريقا مطروقة . قال ابن الأثير : وقد تكرر في الحديث ذكر سبيل الله ، وابن السبيل ، والسبيل في الأصل الطريق ، والتأنيث فيها أغلب . قال : وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات ، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه ، وأما ابن السبيل فهو المسافر الكثير السفر ، سمي ابنا لها لملازمته إياها . وفي الحديث : حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها لأعطان الإبل والغنم ، وابن السبيل أولى شارب منها أي عابر السبيل المجتاز بالبئر أو الماء أحق به من المقيم عليه ، يمكن من الورد والشرب ثم يدعه للمقيم عليه . وقوله عز وجل : والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ؛ قال ابن سيده : ابن السبيل ابن الطريق ، وتأويله الذي قطع عليه الطريق ، والجمع سبل ، وسبيل سابلة مسلوكة ، والسابلة أبناء السبيل المختلفون على الطرقات في حوائجهم ، والجمع السوابل ؛ قال ابن بري : ابن السبيل الغريب الذي أتى به الطريق ؛ قال الراعي :


                                                          على أكوارهن بنو سبيل قليل نومهم إلا غرارا



                                                          وقال آخر :


                                                          ومنسوب إلى من لم يلده     كذاك الله نزل في الكتاب



                                                          وأسبلت الطريق : كثرت سابلتها . وابن السبيل المسافر الذي انقطع به وهو يريد الرجوع إلى بلده ، ولا يجد ما يتبلغ به فله في الصدقات نصيب . وقال الشافعي : سهم سبيل الله في آية الصدقات يعطى منه من أراد الغزو من أهل الصدقة ، فقيرا كان أو غنيا ، قال : وابن السبيل عندي ابن السبيل من أهل الصدقة الذي يريد البلد غير بلده لأمر يلزمه ، قال : ويعطى الغازي الحمولة والسلاح والنفقة والكسوة ، ويعطى ابن السبيل قدر ما يبلغه البلد الذي يريده في نفقته وحمولته .

                                                          وأسبل إزاره : أرخاه . وامرأة مسبل : أسبلت ذيلها . وأسبل الفرس ذنبه : أرسله . التهذيب : والفرس يسبل ذنبه ، والمرأة تسبل ذيلها . يقال : أسبل فلان ثيابه إذا طولها وأرسلها إلى الأرض . وفي الحديث : أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم قال : قلت : ومن هم خابوا وخسروا ؟ فأعادها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثلاث مرات : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب . قال ابن الأعرابي وغيره : المسبل الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض إذا مشى وإنما يفعل ذلك كبرا واختيالا . وفي حديث المرأة والمزادتين : سابلة رجليها بين مزادتين ، قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية والصواب في اللغة مسبلة أي مدلية رجليها والرواية سادلة أي مرسلة . وفي حديث أبي هريرة : من جر سبله من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ؛ السبل ، بالتحريك : الثياب المسبلة كالرسل والنشر في المرسلة والمنشورة . وقيل : إنها أغلظ ما يكون من الثياب تتخد من مشاقة الكتان ؛ ومنه حديث الحسن : دخلت على الحجاج وعليه ثياب سبلة ؛ الفراء : في قوله تعالى : فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ؛ قال : لا يستطيعون في أمرك حيلة . وقوله تعالى : ليس علينا في الأميين سبيل ؛ كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون قال بعضهم لبعض : ليس للأميين يعني العرب حرمة أهل ديننا وأموالهم تحل لنا ، وقوله تعالى : ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ؛ أي سببا ووصلة ؛ وأنشد أبو عبيدة لجرير :


                                                          أفبعد مقتلكم خليل محمد     ترجو القيون مع الرسول سبيلا ؟



                                                          أي سببا ووصلة . والسبل بالتحريك : المطر . وقيل : المطر المسبل . وقد أسبلت السماء وأسبل دمعه ، وأسبل المطر والدمع إذا هطلا والاسم السبل بالتحريك . وفي حديث رقيقة : فجاد بالماء جوني له سبل ؛ أي مطر جود هاطل .

                                                          وقال أبو زيد : أسبلت السماء إسبالا ، والاسم السبل ، وهو المطر بين السحاب والأرض حين يخرج من السحاب ، ولم يصل إلى الأرض . وفي حديث الاستسقاء : اسقنا غيثا سابلا أي هاطلا غزيرا . وأسبلت السحابة إذا أرخت عثانينها إلى الأرض . ابن الأعرابي : السبلة المطرة الواسعة ، ومثل السبل العثانين ، واحدها عثنون ، والسبولة والسبولة والسنبلة : الزرعة المائلة . والسبل : كالسنبل ، وقيل : السبل ما انبسط من شعاع السنبل والجمع سبول ، وقد سنبلت وأسبلت . الليث : السبولة هي سنبلة الذرة والأرز ونحوه إذا مالت . وقد أسبل الزرع إذا سنبل . والسبل : أطراف السنبل ، وقيل : السبل والسنبل ، وقد سنبل الزرع أي خرج سنبله . وفي حديث مسروق : لا تسلم في قراح حتى يسبل ؛ أي حتى يسنبل . والسبل : السنبل ، والنون زائدة ؛ وقول محمد بن هلال البكري :


                                                          وخيل كأسراب القطا قد وزعتها     لها سبل فيه المنية تلمع



                                                          يعني به الرمح ، وسبلة الرجل : الدائرة التي في وسط الشفة العليا ، وقيل : السبلة ما على الشارب من الشعر ، وقيل : طرفه . وقيل : هي مجتمع الشاربين ، وقيل : هو ما على الذقن إلى طرف اللحية ، وقيل : [ ص: 118 ] هو مقدم اللحية خاصة ، وقيل : هي اللحية كلها بأسرها ؛ عن ثعلب : وحكى اللحياني : إنه لذو سبلات ، وهو من الواحد الذي فرق فجعل كل جزء منه سبلة ، ثم جمع على هذا كما قالوا للبعير ذو عثانين كأنهم جعلوا كل جزء منه عثنونا ، والجمع سبال ، التهذيب : والسبلة ما على الشفة العليا من الشعر يجمع الشاربين وما بينهما ، والمرأة إذا كان لها هناك شعر قيل : امرأة سبلاء . الليث : يقال : سبل سابل كما يقال : شعر شاعر ، اشتقوا له اسما فاعلا ، وفي الحديث : أنه كان وافر السبلة ؛ قال أبو منصور : يعني الشعرات التي تحت اللحي الأسفل ، والسبلة عند العرب مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر ؛ يقال للرجل إذا كان كذلك رجل أسبل ومسبل إذا كان طويل اللحية ، وقد سبل تسبيلا كأنه أعطي سبلة طويلة . ويقال : جاء فلان وقد نشر سبلته إذا جاء يتوعد ؛ قال الشماخ :


                                                          وجاءت سليم قضها بقضيضها     تنشر حولي بالبقيع سبالها



                                                          ويقال للأعداء : هم صهب السبال ؛ وقال :


                                                          فظلال السيوف شيبن رأسي     واعتناقي في القوم صهب السبال



                                                          وقال أبو زيد : السبلة ما ظهر من مقدم اللحية بعد العارضين ؛ والعثنون ما بطن . الجوهري : السبلة الشارب ، والجمع السبال ؛ قال ذو الرمة :


                                                          وتأبى السبال الصهب والآنف الحمر



                                                          وفي حديث ذي الثدية : عليه شعيرات مثل سبالة السنور . وسبلة البعير : نحره . وقيل : السبلة ما سال من وبره في منحره . التهذيب : والسبلة المنحر من البعير وهي التريبة وفيه ثغرة النحر . يقال : وجأ بشفرته في سبلتها أي في منحرها . وإن بعيرك لحسن السبلة ؛ يريدون رقة جلده . قال الأزهري : وقد سمعت أعرابيا يقول : لتم بالتاء في سبلة بعيره إذا نحره فطعن في نحره كأنها شعرات تكون في المنحر . ورجل سبلاني ومسبل ومسبل ومسبل وأسبل : طويل السبلة وعين سبلاء طويلة الهدب . وريح السبل : داء يصيب في العين . الجوهري : السبل داء في العين شبه غشاوة كأنها نسج العنكبوت بعروق حمر . وملأ الكأس إلى أسبالها أي حروفها كقولك إلى أصبارها . وملأ الإناء إلى سبلته أي إلى رأسه . وأسبال الدلو : شفاهها ؛ قال باعث بن صريم اليشكري :


                                                          إذا أرسلوني مائحا بدلائهم     فملأته علقا إلى أسبالها



                                                          يقول : بعثوني طالبا لتراتهم فأكثرت من القتل ، والعلق : الدم والمسبل : الذكر . وخصية سبلة : طويلة . والمسبل : الخامس من قداح الميسر ؛ قال اللحياني : هو السادس وهو المصفح أيضا ، وفيه ستة فروض ، وله غنم ستة أنصباء ، إن فاز وعليه غرم ستة أنصباء إن لم يفز ، وجمعه المسابل وبنو سبالة : قبيلة ، وإسبيل : موضع ، قيل : هو اسم بلد ؛ قال خلف الأحمر :


                                                          لا أرض إلا إسبيل     وكل أرض تضليل



                                                          وقال النمر بن تولب :


                                                          بإسبيل ألقت به أمه     على رأس ذي حبك أيهما



                                                          والسبيلة : موضع ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          قبح الإله ، ولا أقبح مسلما     أهل السبيلة من بني حمانا



                                                          وسبلل : موضع ، قال صخر الغي :


                                                          وما إن صوت نائحة بليل     بسبلل لا تنام مع الهجود



                                                          جعله اسما للبقعة فترك صرفه ، ومسبل من أسماء ذي الحجة عادية . وسبل : اسم فرس قديمة . الجوهري : سبل اسم فرس نجيب في العرب ؛ قال الأصمعي : هي أم أعوج وكانت لغني ، وأعوج لبني آكل المرار ، ثم صار لبني هلال بن عامر ؛ وقال :


                                                          هو الجواد ابن الجواد ابن سبل



                                                          قال ابن بري : الشعر لجهم بن سبل ؛ قال أبو زياد الكلابي : وهو من بني كعب بن بكر وكان شاعرا لم يسمع في الجاهلية والإسلام من بني بكر أشعر منه ؛ قال : وقد أدركته يرعد رأسه وهو يقول :


                                                          أنا الجواد ابن الجواد ابن سبل     إن ديموا جاد ، وإن جادوا وبل



                                                          قال ابن بري : فثبت بهذا أن سبل اسم رجل وليس باسم فرس كما ذكر الجوهري .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية