الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4731 (باب منه)

                                                                                                                              وذكره النووي ، في (الباب المذكور) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص165 ،166 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (حدثنا نصر بن علي الجهضمي ؛ حدثني أبي ؛ حدثنا المثنى "ح" وحدثني محمد بن حاتم ؛ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن المثنى بن سعيد ؛ عن قتادة ؛ عن أبي أيوب ؛ عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . -وفي حديث ابن حاتم : عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال- : "إذا قاتل أحدكم أخاه ، فليجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته" ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "إذا قاتل أحدكم أخاه ، فليجتنب الوجه") . سبق شرحه قريبا .

                                                                                                                              [ ص: 186 ] (فإن الله خلق آدم على صورته) .

                                                                                                                              قال النووي : هو من أحاديث الصفات . وإن من العلماء : من يمسك عن تأويلها . ويقول : نؤمن بأنها حق ، وأن ظاهرها غير مراد : ولها معنى يليق بها .

                                                                                                                              قال : وهذا مذهب جمهور السلف . وهو أحوط ، وأسلم .

                                                                                                                              قال : والثاني : أنها تتأول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى ، وأنه ليس كمثله شيء .

                                                                                                                              قال المازري : هذا الحديث -بهذا اللفظ- ثابت . ورواه بعضهم : "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن" وليس بثابت عند أهل الحديث . وكأن من نقله ، رواه بالمعنى الذي وقع له ، وغلط في ذلك .

                                                                                                                              قال : وقد غلط "ابن قتيبة" في هذا الحديث ، فأجراه على ظاهره . وقال : لله تعالى صورة ، لا كالصور . وهذا الذي قاله ظاهر الفساد ، لأن الصورة تفيد التركيب ، وكل مركب محدث ، والله تعالى ليس بمحدث ، فليس هو مركبا ، فليس مصورا . قال : وهذا كقول المجسمة : "جسم لا كالأجسام" ، لما رأوا أهل السنة يقولون : "الباري سبحانه وتعالى شيء لا كالأشياء" : طردوا الاستعمال ، فقالوا : "جسم لا كالأجسام" والفرق : أن لفظ "شيء" لا يفيد الحدوث ، ولا يتضمن ما يقتضيه . وأما "جسم ، وصورة" فيتضمنان التأليف ، والتركيب . وذلك دليل الحدوث .

                                                                                                                              قال : العجب من ابن قتيبة ، في قوله : "صورة لا كالصور" . مع

                                                                                                                              [ ص: 187 ] أن ظاهر الحديث -على رأيه- : يقتضي خلق آدم على صورته . فالصورتان -على رأيه- : سواء . فإذا قال : "لا كالصور" : تناقض قوله . ويقال له أيضا : إن أردت بقولك ، "صورة لا كالصور" : أنه ليس بمؤلف ولا مركب ، فليس بصورة حقيقة ، وليست اللفظة على ظاهرها . وحينئذ يكون موافقا : على افتقاره إلى التأويل .

                                                                                                                              واختلف العلماء في تأويله ؛

                                                                                                                              1- فقالت طائفة : الضمير في "صورته" ، عائد على الأخ المضروب . وهذا ظاهر رواية مسلم .

                                                                                                                              2- وقالت طائفة : يعود إلى آدم . وفيه ضعف .

                                                                                                                              3- وقالت طائفة : يعود إلى الله تعالى . ويكون المراد إضافة تشريف واختصاص . كقوله تعالى : ناقة الله . وكما يقال في الكعبة : "بيت الله" ، ونظائره . هذا آخر كلام النووي .

                                                                                                                              وفي البخاري -من حديث "أبي هريرة" ، الطويل ، يرفعه- : "خلق الله آدم : على صورته . وطوله : ستون ذراعا" الحديث .

                                                                                                                              قال القسطلاني : الضمير لآدم . أي : أن الله أوجده على الهيئة التي خلقه عليها ، لم ينتقل في النشأة أحوالا ، ولا تردد في الأرحام أطوارا ، بل خلقه كاملا سويا .

                                                                                                                              [ ص: 188 ] قال : وعورض هذا بقوله : "على صورة الرحمن" وهي إضافة تشريف وتكريم ، لأن الله خلقه على صورة ، لم يشاكلها شيء من الصور في الكمال ، والجمال . انتهى قوله .

                                                                                                                              "وطوله ستون ذراعا" : قال القسطلاني : بقدر ذراع نفسه ، أو بقدر الذراع المتعارف يومئذ ، عند المخاطبين . ورجح الأول : بأن ذراع كل أحد مثل ربعه . فلو كان بالذراع المعهود : لكانت يده قصيرة ، في جنب طول جسده .

                                                                                                                              وزاد أحمد عنه ، مرفوعا : "في سبعة أذرع عرضا" . انتهى .

                                                                                                                              قلت : ذكره تبعا للحافظ . حيث قال : قوله : "ستون ذراعا" يحتمل : أن يريد : "بقدر ذراع نفسه" . ويحتمل : أن يريد "بقدر الذراع المتعارف يومئذ ، عند المخاطبين" . والأول أظهر ، لأن ذراع كل أحد بقدر ربعه . فلو كان بالذراع المعهود ، لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده . انتهى .

                                                                                                                              أقول : ظاهر دليله ، لا يطابق المدعى . إذ لو كان بالذراع المعهود ، فليس فيه تعرض حينئذ لمقدار اليد ، فكيف يلزم قصرها في جنب طول جسده ؟

                                                                                                                              فالصواب : أن يقال : والأول بعيد ، لأن ذراع كل أحد بقدر ربعه . [ ص: 189 ] فلو كان بذراع نفسه : لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده .

                                                                                                                              وذكر العلامة الشوكاني (في الفتح الرباني) : تأويلات عشرة ، في قوله : "على صورته" : ورجح : أن الضمير يعود إلى آدم ، وهو الموافق لظاهر أحاديث الباب ، إذا لاحظتها مع السياق والسباق . أو الصورة بمعنى "الصفة" . يعني : خلقه على صفته : من السمع ، والبصر ، والعقل ، والإدراك ، والشعور . فإن هذه الصفات : محلها أعضاء الوجه . وهذا واضح ، ولا غبار عليه . والراجح -على طريقة السلف : في مثل هذه الأخبار- : إجراؤها على ظاهرها . من دون تأويل ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل . ولا شنار فيه . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية