الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 5 ] باب وقت صلاة المغرب

                                                                                                                                            441 - ( عن سلمة بن الأكوع { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب } . رواه الجماعة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            وفي الباب عن جابر عند أحمد . وعن زيد بن خالد عند الطبراني . وعن أنس عند أحمد وأبي داود . وعن رافع بن خديج عند البخاري ومسلم . وعن أبي أيوب عند أحمد وأبي داود والحاكم ، وعن أم حبيبة أشار إليه الترمذي . وعن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه ، قال الترمذي : وحديث العباس قد روي موقوفا وهو أصح . وعن أبي بن كعب ذكره ابن أبي حاتم في العلل . وعن السائب بن يزيد عند أحمد . وعن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند النسائي والبغوي في معجمه .

                                                                                                                                            قوله : ( وتوارت بالحجاب ) وقع في صحيح البخاري إذا توارت بالحجاب ، ولم يجر للشمس ذكر إحالة على فهم السامع ، وما يعطيه قوة الكلام ، وهو تفسير للجملة الأولى أعني قوله : " إذا غربت الشمس " .

                                                                                                                                            والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس ، وهو مجمع عليه ، وأن المسارعة بالصلاة في أول وقتها مشروعة . وقد اختلف السلف فيها هل هي ذات وقت أو وقتين ؟ فقال الشافعي : إنه ليس لها إلا وقت واحد ، وهو أول الوقت ، هذا هو الذي نص عليه في كتبه القديمة والجديدة ، ونقل عنه أبو ثور أن لها وقتين ، الثاني منهما ينتهي إلى مغيب الشفق ، قال الزعفراني : وأنكر هذا القول جمهور الأصحاب ، ثم اختلف أصحاب الشافعي في المسألة على طريقين

                                                                                                                                            أحدهما : القطع بأن لها وقتا فقط . والثاني : على قولين : أحدهما هذا والثاني يمتد إلى مغيب الشفق ، وله أن يبدأ بالصلاة في كل وقت من هذا الزمان . قال النووي : وهو الصحيح ، وقد نقل أبو عيسى الترمذي عن العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب ، وتمسك القائل بأن لها وقتا واحدا بحديث جبريل السابق ، وقد ذكرنا كيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بأن للمغرب وقتين في باب أول وقت العصر وقد اختلف العلماء بعد اتفاقهم على أن أول وقت المغرب غروب الشمس في العلامة التي يعرف بها الغروب ، فقيل : بسقوط [ ص: 6 ] قرص الشمس بكماله ، وهذا إنما يتم في الصحراء ، وأما في العمران فلا

                                                                                                                                            وقيل : برؤية الكوكب الليلي ، وبه قالت القاسمية ، واحتجوا بقوله : ( حتى يطلع الشاهد ) النجم ، أخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي بصرة . وقيل : بل بالإظلام ، وإليه ذهب زيد بن علي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى والإمام يحيى لحديث : { إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم } متفق عليه من حديث ابن عمر وعبد الله بن أبي أوفى . ولما في حديث جبريل من رواية ابن عباس بلفظ : { فصلى بي حين وجبت الشمس وأفطر الصائم } ولحديث الباب وغير ذلك .

                                                                                                                                            وأجاب صاحب البحر عن هذه الأدلة بأنها مطلقة ، وحديث " حتى يطلع الشاهد " مقيد ، ورد بأنه ليس من المطلق والمقيد أن يكون طلوع الشاهد أحد أمارات غروب الشمس ، على أنه قد قيل : إن قوله والشاهد النجم مدرج فإن صح ذلك لم يبعد أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل ويؤيد ذلك حديث السائب بن يزيد عند أحمد والطبراني مرفوعا بلفظ : { لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم } وحديث أبي أيوب مرفوعا : { بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم } وحديث أنس ورافع بن خديج قال : { كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موقع نبله } وأما آخر وقت المغرب ، فذهب الهادي والقاسم وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود إلى أن آخره ذهاب الشفق الأحمر ، لحديث جبريل وحديث ابن عمرو بن العاص ، وقد مرا . وقال مالك وأبو حنيفة : إنه ممتد إلى الفجر ، وهو أحد قولي الناصر وقد سبق ذكر ما ذهب إليه الشافعي .

                                                                                                                                            442 - ( وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم } رواه أحمد وأبو داود ) . الحديث أخرجه أيضا الحاكم في المستدرك ، وفي إسناده محمد بن إسحاق ، ولكنه صرح بالتحديث ، وفي الباب عن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة في صحيحه بلفظ { : لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم } قال محمد بن يحيى : اضطرب الناس في هذا الحديث ببغداد ، فذهبت أنا وأبو بكر الأعين إلى العوام بن عباد بن العوام ، فأخرج إلينا أصل أبيه ، فإذا الحديث فيه ، وأخرجه أبو بكر البزار من حديث إبراهيم بن موسى عن عباد بن العوام بسنده ، ثم قال : لا يعلمه يروى يعني عن العباس إلا من هذا الوجه ، ورواه غير واحد عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن [ ص: 7 ] مرسلا ، قال الترمذي : وحديث العباس وقد روي عنه موقوفا وهو أصح قال ابن سيد الناس : ومراد البزار بالمرسل هنا الموقوف ; لأنه متصل الإسناد إلى العباس ، وذكر الخلال بعد إيراد هذا الحديث قال أبو عبد الله : هذا حديث منكر . والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم . وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم ، مستحبا والحديث يرده .

                                                                                                                                            قال النووي في شرح مسلم : إن تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه ، قال : وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له ، وأما الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير ، وقد سبق إيضاح ذلك ; لأنها كانت جوابا للسائل عن الوقت ، وأحاديث التعجيل المذكورة في هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها .

                                                                                                                                            443 - ( وعن { مروان بن الحكم قال : قال لي زيد بن ثابت : ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بطولى الطولين } رواه البخاري وأحمد والنسائي ، وزاد عن عروة بطولى الطولين الأعراف ، وللنسائي : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بطولى الطولين المص } ) .

                                                                                                                                            قوله : ( بقصار المفصل ) قال في الضياء هو من سورة محمد إلى آخر القرآن وذكر في القاموس أقوالا عشرة من الحجرات إلى آخره ، قال في الأصح أو من الجاثية أو القتال أو قاف - أو الصافات أو الصف أو تبارك أو إنا فتحنا لك أو سبح اسم ربك الأعلى أو الضحى . ونسب بعض هذه الأقوال إلى من قال بها ، قال : وسمي مفصلا لكثرة الفصول بين سوره أو لقلة المنسوخ .

                                                                                                                                            قوله : ( بطولى الطولين ) في الفتح الطولين : الأعراف والأنعام في قول ، وتسميتهما بالطولين إنما هو لعرف فيهما ، لا أنهما أطول من غيرهما ، وفسرهما ابن أبي مليكة بالأعراف والمائدة ، والأعراف أطول من صاحبتها ، قال الحافظ : إنه حصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف .

                                                                                                                                            والحديث يدل على استحباب التطويل في قراءة المغرب وقد اختلفت حالات النبي صلى الله عليه وسلم فيها فثبت عند الشيخين من حديث جبير بن مطعم أنه قال : سمعت { رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وثبت أنه قرأ في المغرب بالصافات . وأنه قرأ فيها بحم الدخان . وأنه قرأ بسبح اسم ربك الأعلى . وأنه قرأ بالتين والزيتون . وأنه قرأ بالمعوذتين . وأنه قرأ بالمرسلات . وأنه قرأ بقصار المفصل } وسيأتي تحقيق ذلك في باب جامع القراءة في الصلاة إن شاء الله تعالى

                                                                                                                                            والمصنف [ ص: 8 ] ساق الحديث هنا للاستدلال به على امتداد وقت المغرب ، ولهذا قال : وقد سبق بيان امتداد وقتها إلى غروب الشفق في عدة أحاديث انتهى . وكذلك استدل الخطابي وغيره بهذا الحديث على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق ، قال الحافظ : وفيه نظر ; لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة ، بل قالوا : لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس ، وله أن يمد القراءة فيها . ولو غاب الشفق ، ثم قال : ولا يخفى ما فيه ; لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع ، ولو أجزأت ، فلا يحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية