الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سبي ]

                                                          سبي : السبي والسباء : الأسر معروف . سبى العدو وغيره سبيا وسباء إذا أسره ، فهو سبي ، وكذلك الأنثى بغير هاء من نسوة سبايا . الجوهري : السبية المرأة تسبى . ابن الأعرابي : سبى - غير مهموز - إذا ملك ، وسبى إذا تمتع بجاريته شبابها كله ، وسبى إذا استخفى ، واستباه كسباه . والسبي : المسبي ، والجمع سبي ؛ قال :


                                                          وأفأنا السبي من كل حي وأقمنا كراكرا وكروشا



                                                          والسباء والسبي : الاسم . وتسابى القوم إذا سبى بعضهم بعضا . يقال : هؤلاء سبي كثير ، وقد سبيتهم سبيا وسباء ، وقد تكرر في الحديث ذكر السبي والسبية والسبايا ، فالسبي : النهب وأخذ الناس عبيدا وإماء ، والسبية : المرأة المنهوبة ، فعيلة بمعنى مفعولة . والعرب تقول : إن الليل لطويل ولا أسب له ولا أسبي له ؛ الأخيرة عن اللحياني ، قال : ومعناه الدعاء أي أنه كالسبي . وقال ابن الأعرابي : ليس له هم فأكون كالسبي له ، وجزم على مذهب الدعاء ، وقال اللحياني : لا أسب له لا أكون سبيا لبلائه . وسبى الخمر يسبيها سبيا وسباء واستباها : حملها من بلد إلى بلد وجاء بها من أرض إلى أرض ، فهي سبية ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          فما إن رحيق سبتها التجا     ر من أذرعات فوادي جدر



                                                          وأما إذا اشتريتها لتشربها فتقول : سبأت بالهمز ، وقد تقدم في الهمز ؛ وأما قول أبي ذؤيب :


                                                          فما الراح راح الشام جاءت سبية



                                                          وما أشبهه ، فإن لم تهمز كان المعنى فيه الجلب ، وإن همزت كان المعنى فيه الشراء . وسبيت قلبه واستبيته : فتنته ، والجارية تسبي قلب الفتى وتستبيه ، والمرأة تسبي قلب الرجل . وفي نوادر الأعراب : تسبى فلان لفلان ففعل به كذا ؛ يعني التحبب والاستمالة ، والسبي يقع على النساء خاصة ، إما لأنهن يسبين الأفئدة ، وإما لأنهن يسبين فيملكن ولا يقال ذلك للرجال . ويقال : سبى طيبه إذا طاب ملكه وحل . وسباه الله يسبيه سبيا : لعنه وغربه وأبعده الله كما تقول لعنه الله . ويقال : ما له سباه الله أي غربه ، وسباه إذا لعنه ؛ ومنه قول امرئ القيس :


                                                          فقالت : سباك الله إنك فاضحي !



                                                          أي أبعدك وغربك ؛ ومنه قول الآخر :


                                                          يفض الطلح والشريان هضا     وعود النبع مجتلبا سبيا



                                                          ومنه السبي لأنه يغرب عن وطنه ، والمعنى متقارب لأن اللعن إبعاد . شمر : يقال سلط الله عليك من يسبيك ويكون أخذك الله . وجاء السيل بعود سبي إذا احتمله من بلد إلى بلد ، وقيل : جاء به من مكان غريب فكأنه غريب ؛ قال أبو ذؤيب يصف يراعا :


                                                          سبي من يراعته نفاه     أتي مده صحر ولوب



                                                          ابن الأعرابي : السباء العود الذي تحمله من بلد إلى بلد ، قال : ومنه السبا ، يمد ويقصر . والسابياء : الماء الكثير الذي يخرج على رأس الولد لأن الشيء قد يسمى بما يكون منه . والسابياء : تراب رقيق يخرجه اليربوع من جحره ، يشبه بسابياء الناقة لرقته ؛ وقال أبو العباس المبرد : هو من جحرته . قال ابن سيده : وقد رد ذلك عليه . وفي الحديث : تسعة أعشراء البركة في التجارة وعشر في السابياء ، والجمع السوابي ؛ يريد بالحديث النتاج في المواشي وكثرتها . يقال : إن لبني فلان سابياء أي مواشي كثيرة ، وهي في الأصل الجلدة التي يخرج [ ص: 120 ] فيها الولد ، وقيل : هي المشيمة . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : قال لظبيان ما مالك ؟ قال : عطائي ألفان ، قال : اتخذ من هذا الحرث والسابياء قبل أن تليك غلمة من قريش لا تعد العطاء معهم مالا ؛ يريد الزراعة والنتاج . وقال الأصمعي والأحمر : السابياء هو الماء الذي يخرج على رأس الولد إذا ولد ، وقيل : السابياء المشيمة التي تخرج مع الولد ، وقال هشيم : معنى السابياء في الحديث النتاج . قال أبو عبيد : الأصل في السابياء ما قال الأصمعي ، والمعنى يرجع إلى ما قال هشيم . قال أبو منصور : إنه قيل للنتاج السابياء لما يخرج من الماء عند النتاج على رأس المولود . وقال الليث : إذا كثر نسل الغنم سميت السابياء ، فيقع اسم السابياء على المال الكثير والعدد الكثير ؛ وأنشد :


                                                          ألم تر أن بني السابياء     إذا قارعوا نهنهوا الجهلا ؟



                                                          وبنو فلان تروح عليهم سابياء من مالهم . وقال أبو زيد : يقال إنه لذو سابياء ، وهي الإبل وكثرة المال والرجال . وقال في تفسير هذا البيت : إنه وصفهم بكثرة العدد . والسبي : جلد الحية الذي تسلخه ؛ قال كثير :


                                                          يجرد سربالا عليه ، كأنه     سبي هلال لم تفتق بنائقه



                                                          وفي رواية لم تقطع شرانقه ، وأراد بالشرانق ما انسلخ من جلده . والإسبة والإسباءة : الطريقة من الدم . والأسابي : الطرق من الدم . وأسابي الدماء : طرائقها ؛ وأنشد ابن بري :


                                                          فقام يجر من عجل ، إلينا     أسابي النعاس مع الإزار



                                                          وقال سلامة بن جندل يذكر الخيل :


                                                          والعاديات أسابي الدماء بها     كأن أعناقها أنصاب ترجيب



                                                          وفي رواية : أسابي الديات ؛ قوله : أنصاب يحتمل أن يريد به جمع النصب الذي كانوا يعبدونه ويرجبون له العتائر ، ويحتمل أن يريد به ما نصب من العود والنخلة الرجبية ، وقيل : واحدتها أسبية . والإسباءة أيضا : خيط من الشعر ممتد . وأسابي الطريق : شوكه . قال ابن بري : والسابياء أيضا بيت اليربوع فيما ذكره أبو العباس المبرد ، قال : وهو مستعار من السابياء الذي يخرج فيه المولود ، وهو جليدة رقيقة لأن اليربوع لا ينفذه بل يبقي منه هنة لا تنفذ ، قال : وهذا مما غلط الناس فيه قديما أبا العباس وعلموا من أين أتي فيه ، وهو أن الفراء ذكر بعد جحرة اليربوع السابياء في كتاب المقصور والممدود فظن أن الفراء جعل السابياء منها ولم يرد ذلك ؛ قال : وأيضا فليس السابياء الذي يخرج فيه المولود وإنما ذلك الغرس ، وأما السابياء فرجرجة فيها ماء ولو كان فيها المولود لغرقه الماء . وسبى الماء : حفر حتى أدركه ؛ قال رؤبة :


                                                          حتى استفاض الماء يسبيه الساب



                                                          وسبأ : حي من اليمن ، يجعل اسما للحي فيصرف ، واسما للقبيلة فلا يصرف . وقالوا للمتفرقين : ذهبوا أيدي سبأ وأيادي سبأ أي متفرقين ، وهما اسمان جعلا اسما واحدا مثل معدي كرب ، وهو مصروف لأنه لا يقع إلا حالا ، أضفت أو لم تضف ؛ قال ابن بري : وشاهد الإضافة قول ذي الرمة :


                                                          فيا لك من دار تحمل أهلها     أيادي سبا بعدي ، وطال اجتنابها



                                                          ! قال : وقوله ، وهو مصروف لأنه لا يقع إلا حالا أضفت أو لم تضف ، كلام متناقض ، لأنه إذا لم تضفه فهو مركب ، وإذا كان مركبا لم ينون وكان مبنيا عند سيبويه مثل شغر بغر وبيت بيت من الأسماء المركبة المبنية مثل خمسة عشر ، وليس بمنزلة معدي كرب لأن هذا الصنف من المركب المعرب ، فإن جعلته مثل معدي كرب وحضرموت فهو معرب إلا أنه غير مصروف للتركيب والتعريف ، قال : وقوله أيضا في إيجاب صرفه إنه حال ليس بصحيح لأن الاسمين جميعا في موضع الحال ، وليس كون الاسم المركب إذا جعل حالا مما يوجب له الصرف . الأزهري : والسبية : اسم رملة بالدهناء . والسبية : درة يخرجها الغواص من البحر ؛ وقال مزاحم :


                                                          بدت حسرا لم تحتجب ، أو سبية     من البحر ، بز القفل عنها مفيدها



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية